خضير فليح الزيديشاءت الصدف أن أكون من المدعوين الى مهرجان الجواهري السابع رغبة مني للاقتراب الفاحص من منطقة الشعر، وللحقيقة اذكر إني لست راغبا بسماع الشعر المجاني في المهرجان بقدر ما كنت راغبا بالتعرف على مآل الشعرية العراقية والهزال الذي لازمها طيلة حقبة ما بعد التغيير إن صحة التسمية.. ربما هي الأزمة الشعرية العالمية والعقل الالكتروني الذي يدحض دون شفافية وجدان الشعر، كذلك كانت الرغبة مزدوجة الى لقاء البعض من الأدباء والسؤال عن أوضاعهم وبماذا يفكرون..
ففي كل مهرجان تجد قلة من السميعة المسلطنين داخل قاعة الشعر، أما العدد الأعظم فهم خارج حلبة الشعر..فهم يتسامرون أو يتناقشون أو يدخنون.. نعم هم نخبة من (سميّعة الشعر) الذين ماانفكوا يسمعون القصائد بغثها وسمينها بشعريتها أو بنثرها الشعري أو بخبلها الشعري، وهؤلاء هم مدجّنون بالتمرين المتواصل لسماع الشعر الذي لا يمكن أن يطاق أو يسمع مثلما يسمعون ام كلثوم أو المقام العراقي، وأتحاشى احد الشعراء حين يغصبني بقوة المجاملة لسماع شعر مجاني على قارعة الطريق.. أي بلد هذا الذي ينتج شعراء أكثر من هذا البلد ؟ الأسباب كثيرة.- لأننا نتاج العقلية والتربية والنشأة والثقافة الصحراوية، فكان لزاما أن تبث الشعر على قوارع الطرق دون كلل أو ملل.. وما زال الأدباء من الشعراء يناقشون لغاية اليوم من الأصلح للشعر قصيدة التفعيلة ام قصيدة النثر ام العمود.. وهم لا يعلمون ما يجري في العالم من مأزق الشعر والتحقق من موت القصيدة.. ما زال البعض لا يدرك من الزحف المقدس للمعلوماتية والمعرفة واللا أدبي في الأدب.. إنها قضية بالغة الخطورة عدم إدراك ما يجري خلف الأبواب.. - لأننا نتاج عقلية مستهلكة غير منتجة.. حتى أصبح اللعب أو القفز أو التراشق في اللغة شعريا هي سمة العقلية المستهلكة. ماذا يفعل البدوي في هذا التيه المفتوح غير إن يلتحف في فضاء اللغة واللعب بمكوناتها ..- لان الثقافة العربية هي ليست نتاج العقل النقدي الحداثوي، العقل المحكوم بالنصوص المقيدة، لا يمكن أن ينتج معرفة، ولكنه ينتج الشعرَ فهو واحته الأرحب للعب، رغم إن الشعر العربي ومطولات أغاني ام كلثوم والمقام العربي وفك التباس المعلقات، هي التي أصابت العقل العربي بالكسل والبلادة بل وجعلته مُخدرا متسلطنا يهوى السماع والتلقي ونبذ العقل الباث أو العقل الناقد..إذا كان الاحتفاء بالشاعر الجواهري تقليدا لإنصاف الرجل في تجربته الضاجة في الكفاح الشعري المتقلب، فكان الأجدر بالقائمين على هذا التقليد تخليص المهرجانات من أمراض وإعطاب كثيرة قد أصابت كل مهرجانات الثقافة الاحتفائية بالتقليد الأعمى الذي لا يطاق.. ومن الضروري التنبيه الى إننا أمم احتفائية لا تقوى بالمرة على تقويم تجارب المحتفى بهم.. الاحتفاء هو الطقس الديماغوجي الذي يبعث على إشاعة العقل المسطح ايقونة التلقي المحض.. الشعوب التي طوّعت أبناءها على التلافظ الشعري بوصفه سلوى الفراغ وقهر البطالة، لكنه عطالة أدبية أدّت الى اقنية خاصة اوصلتنا الى الشعر المجاني كسمة للقصيدة العراقية الآنية.. إن تجربة الشعوب العالمية في تعاطي شعر الملحمة وإشعار التجارب الإنسانية الصادقة انحسرت منذ عشرات السنين ( إن جائزة نوبل لم تعط الى شاعر منذ أربع عشرة سنة ).. فالعصر الذي نعيش فيه عصر التقانة، والتقانة معرفة والمعرفة سمة العصر.. أما السرد فهو الوحيد الذي ينتج المعرفة والمعلوماتية فائقة الدقة .. وكنت أود من الأحبة القائمين على مهرجانات كهذه أن يفكروا جديا في تثوير رؤى جديدة في آليات ومحاور جديدة ومنتجة في إقامة هكذا مهرجانات.. والابتعاد عن طقسية الاحتفاء التقليدي الذي يكون محوره الشعر المجاني غير الخاضع للتفحص الفني، فهو يضر الإذن الصاغية أكثر من أن ينفعها.. صحيح إننا نميل الى الطقسية والاحتفائية الطقسية غير المنتجة، لكن من الأجدر أن نفكر بصيغ جديدة في إحياء تراث أبطالنا..إن مقولة التثوير اقصد بها هنا، الإفادة من تجربة الشاعر المُحتفى به وإضاءة المناطق السرية في حياته، تسليط الضوء بعقول نقدية تعي أماكن حدود المقدس والمدنس.. يمكن أن تشتغل النقدية العراقية الحديثة على كشف البواطن التي أدت الى شاعرية الشاعر، إلى كشف جغرافية الأمكنة البديلة التي ظهرت في شعره.. الشخوص الذين تأثر بهم الشاعر.. وإلا ما معنى أن يجتمع أكثر من مائتي شاعر ينتظمون في جلسات شعرية ولا احد يسمع سوى( كورس السمّيعة) الذين يجيدون التناغم مع هبوط وصعود الشاعر تحت وابل من كلمات (( الل-----ه ، اعدْ اعد اعد)) وهكذا نسهم في غياب الأمة الفاعلة، كطليعة مجتمعية ينظر لها في الخارج باهتمام .. أليس كذلك؟
الشعر في مهرجان الجواهري السابع
نشر في: 1 نوفمبر, 2010: 05:21 م