إيمان محسن جاسمما الجدوى الحقيقية من فوز المعارضة في هذا البلد أو العربي أو ذاك بعدد من المقاعد في البرلمان ؟ هل باستطاعتها التغيير؟ وهل هنالك نظام سياسي عربي يؤمن بالديمقراطية كخيار للوصول إلى السلطة؟ وكيف نفهم الديمقراطية من خلال ممارستها في البلدان العربية ؟
ما يمكن إدراكه بسهولة ويسر هو أن المجتمع العربي يعيش في ظل حالة مزمنة من احتكار السلطة من قبل قلة مسيطرة مترسخة في أجهزة ومؤسسات الحكم، ويقترن ذلك بإقصاء القوى الاجتماعية والسياسية ذات التوجهات المغايرة لمفاهيم هذه القوة والتي تتقاطع معها جملة وتفصيلاً، رغم إن هذه الأنظمة تحاول مجاراة الحداثة السياسية عبر إجراء انتخابات أغلبها شكلية لإضفاء الطابع الدستوري مع عدم تغيير المخرجات الضرورية والتي تفرزها الانتخابات وهذا ما يحصل في الكثير من الدول العربية .لهذا نجد بأن التجارب الديمقراطية في الوطن العربي إذا ما استثنينا لبنان والعراق لا تتعدى كونها ممارسات الغاية الحقيقية منها محاولة تزيين صورة النظام بشكل أو بآخر تحت مسميات الديمقراطية وما شابه ذلك .ففي أغلب الانتخابات التي حصلت في الكثير من الدول العربية في الأعوام الماضية يمكننا أن نكتشف بأنها كرست القبلية والعشائرية والفئوية والمناطقية دون أن ترسخ الديمقراطية كخيار من شأنه أن يعيد رسم خارطة السياسة في منطقتنا ، وعمدت إلى استخدام الديمقراطية كمفهوم حضاري لترسيخ أساليب قبلية ومناطقية من خلال إلباسها ثوب الديمقراطية بطريقة أو بأخرى .فلا المعارضات العربية وما أكثرها قادرة على التغيير وحصد مقاعد تؤهلها لذلك في البرلمانات العربية وهذا ليس بسبب عدم وجود شعبية وقواعد لها في المجتمعات بل بسبب أنظمة الانتخابات ذاتها التي تحاول جهد الإمكان تشذيب المعارضة ومحاولة خنقها عبر وضع نظم وقوانين انتخابية تحدّ من بروزها أو حتى ترشحها لخوض أية انتخابات وحتى وإن كانت انتخابات نقابات عمالية أو مهنية أخرى .وما يمكن ملاحظته أنّ شكل الدولة العربية غير قابل للتغيير، لأسباب عديدة تأتي في مقدمتها كما أشرنا السيطرة الكاملة من قبل قلة متنفذه في السلطة أمضت عقودا طويلة في الحكم واكتسبت خبرة في هذا المجال، إلى درجة باتت هذه الأنظمة تصنع شعوبها وليس العكس ، حيث إن الشعوب هي من تصنع قادتها ، إلا إن المعادلة الموجودة لدينا عكس هذا تماما بل وصل الأمر ببعض النظم السياسية أن تصنع معارضة لها وفق رؤيتها وفلسفتها بما لا يتعارض معها أو يستقطع جزءا بسيطا من نفوذها أو سلطتها.والعامل الثاني المهم هو أن مفهوم المعارضة في الوطن العربي ارتبط بالقمع والسجن والنفي، وبالتالي بات هذا المصطلح غير مرغوب فيه من كلا الطرفين: السلطة الحاكمة التي تنظر للمعارضة على أنها خصم يجب أن يحارب ويقتلع من جذوره ، والمعارضة تنظر للسلطة على أنها فاسدة ومرتشية ومزورة وإلى آخر الاتهامات التي تملأ أدبيات كلا الطرفين ، دون أن يفكر أحدهما بالحوار مع الآخر والوصول لرؤية مشتركة في حدودها الدنيا .لهذا يمكننا أن نقول: حتى لو اكتسحت المعارضات العربية البرلمانات ستجد نفسها غير قادرة على إحداث التغيير المطلوب في تركيبة الدولة العربية لأسباب جوهرية في مقدمتها:إن هنالك سلطة أعلى من سلطة البرلمان رغم إن البرلمان يفترض أن يكون أعلى سلطة في الدولة كما هو شائع ومتعارف عليه في عموم دول العالم ، حيث لا يمكن حل البرلمان إلا من خلال البرلمان ذاته ، وربما يقول البعض بأن دساتير بعض الدول العربية تعطي هذه الصلاحية لرئيس الدولة أو الحاكم ، ونحن نقول إن منح هذه الصلاحيات لشخص واحد من أبرز نقاط الخلل في الديمقراطيات العربية من جهة، ومن جهة ثانية بإمكان الحاكم الممنوح هذه الصلاحيات أن يحل البرلمان في أية لحظة يتقاطع مع رأيه أو إرادته، وبالتالي فهو ينسف إرادة الشعب وتكون إرادته هو فوق الجميع .وهذا ما يقودنا للإجابة عن تساؤل طرحناه في بداية المقال: هل النظام الرسمي العربي يؤمن بالديمقراطية ؟ نحن لا نريد أن نجزم بإجابتنا، ولكن علينا أن نحدد مفهوم الديمقراطية في عالمنا العربي، هل هي ديمقراطية مترسخة وأسلوب حياتي معاش أم إنها مجرد شكليات ؟ الديمقراطية ليست انتخابات فقط بقدر ما هي مجموعة تصرفات مجتمعية ، فالمجتمع الديمقراطي مجتمع منظم ، السلطات فيه مستقلة ، الإعلام فيه مستقل ، القضاء مستقل ، هنالك دور كبير جداً لمنظمات المجتمع المدني، هل هذا موجود في فلسفة الدولة العربية ؟ هل ثمة استقلالية للسلطات؟ بالتأكيد لا توجد وإن وجدت فهي لا تتعدى، كما أشرنا، العراق ولبنان ، وربما يقول البعض لماذا العراق ولبنان ؟ والجواب هو أن الانتخابات التي تحصل في هذين البلدين تفرز حكومات منتخبة ويتم تداول السلطة وفق نتائج الانتخابات كما يحصل في الكثير من بلدان العالم الديمقراطية .لهذا نجد بأن ما يجري من انتخابات في الكثير من البلدان العربية لا يلقى الاهتمام والحماس من شرائح كثيرة في المجتمع، والسبب هو إن لا تغيير متوقعاً منها، أي إنها تكرس ما موجود ولكن تغلفه بصناديق تسمى صناديق الاقتراع.
الديمقراطية فـي عالمنا العربي
نشر في: 8 نوفمبر, 2010: 05:16 م