TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > هل المثقف العراقي نتاج مجتمعه ؟

هل المثقف العراقي نتاج مجتمعه ؟

نشر في: 10 نوفمبر, 2010: 05:08 م

حسين علي الحمدانيمن المؤكد أن أي مجتمع يعيش صعوبات أو أزمات أو منعطفات أو حالة مفترق طرق بحاجة الى نوعية معينة من أفراد المجتمع كي يقوموا بأعمال وأدوار تسهم في تغييره أو تطويره نحو الأفضل، وهناك قناعة واضحة عند المشتغلين تحليلاً وتشخيصاً ونقداً، أن ما تعيشه هذه المجتمعات نتاج أسباب مركبة منها: السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية،
 ومن الصعوبة معالجة الأزمات التي تعيشها المجتمعات فقط بالتكنولوجيات والتنمية الاقتصادية غير المؤسسة والمبنية على المسألة الاجتماعية والثقافية. ففي المجال الثقافي تحديداً تحتاج مثل هذه المجتمعات لعدد من المفاهيم الثقافية المهمة التي تسهم في تغيير الواقع البائس كالإنسانية والتسامح والاحترام والتعددية ، وعدد آخر من المفاهيم التي يمكن للثقافة أن تؤثر فيها كالعقلانية والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة . ومن خلال المفاهيم الثقافية أو المفاهيم التي يمكن للثقافة الإسهام في تحقيقها تبرز حاجة المجتمع للإسهام في تنزيل هذه المفاهيم على الواقع كي يحدث فيه التغيير ثم التطور والتقدم، ويتم ذلك بمساهمة المثقف كصاحب دور مهم . ومع هذا ، فلا معنى عندما يكون المجتمع بحاجة للمثقف كصاحب دور ، أن يطلق للمثقف العنان لنفسه في ممارسة الدور المطلوب منه من دون وجود مقيدات لهذا الدور، فمن ضمن المقيدات ، قيد أن يُفترض في المثقف الذي يقوم بأداء أدوار معينة حد من المعرفة والكفاءة والقدرة مع مراعاة النسبية هنا ، وقيد آخر عدم نزوع المثقف للاستحواذ على الفعل والتوجيه في الساحة الاجتماعية بصورة غير ديمقراطية ومتسامحة، وقيد ثالث التأكيد على أن المثقف أحد الفاعلين في المجتمع من الذين يطمحون ويسهمون في تطويره وتغييره، ومن الذين تبرز وجهات نظرهم في المجتمع بوضوح وتأثر فيه، وهذه المقيدات لا تعني ألاّ يحق للمثقف التمايز في دوره مقارنة بغيره، فهو حامل للوعي والمعرفة ذات الطابع المختلف يحمل قضية يعمل من أجلها ، لإسهام الوعي والفكر في تغيير الواقع الذي يمتلك المثقف قدراً منه أو يشتغل عليه.لا يمكن للمثقف الاستغناء عن المجتمع مهما كانت طبيعة هذا المجتمع ومهما كانت طبيعة المثقف ، لأن المثقف يهتم بالشأن العام للمجتمع كالوعي والنقد فلا بد من أن يكون ذا علاقة بالمجتمع ، ولكن الإشكالية هي في كيفية هذه العلاقة ، فقد تأخذ منحى وصاية المثقف على المجتمع ، وقد تأخذ منحى مشاركة وتعاون المثقف مع المجتمع، وقد تأخذ منحى تبعية المثقف للمجتمع، وقد فشل النموذج الأول وهذا ما يطالب به بعض المثقفين إثر انتقادهم ممارسة المثقف الوصائية على المجتمع بطلب رفع وصايته عن المجتمع والجمهور، وهم محقون في ذلك بشرط ألاّ يؤدي ذلك لإنهاء العلاقة بين المجتمع والمثقف، بمعنى أدق أن تتم إعادة صياغة هذه العلاقة مجدداً وفق الموضوعية والظروف الحالية، ومن المؤكد أن نتيجة النموذج الثالث كذلك الفشل لأنه نموذج مقلوب للنموذج الأول، فهو ينفي أو يعدم ما توصل له المثقف من رؤى ومعرفة لتوظيفها لأجل خدمة الشأن العام في المجتمع ، ويبقى النموذج الثاني وهو الأفضل من بين النماذج ، الذي يمكن وصفه بأنه ديمقراطي يقيم علاقة متوازنة بين الطرفين ، وهذا يمثل الشرط الضروري في حساب علاقة المثقف – المجتمع ، بأن يكون هناك قدر واضح من الاستقلالية لدى الطرفين – المثقف والمجتمع - ، لا فقط كما يطالب بعض المثقفين بأن تكون للمثقف استقلالية عن المجتمع الذي ينتمي له ، فكذلك للمجتمع الحق أن يكون له قدر من الاستقلالية عن المثقف ، وهذا القدر من الاستقلالية يحمي ويخدم الطرفين ، فلا يبخس المثقف قدرته على الفعل أو يجعله تابعاً من دون وعي للمجتمع ومتطلباته ، ويحمي المثقف من أخطاء قد يقع فيها المجتمع فعلاً ، أو أن المثقف يرى باعتبار موقعه وخطابه أن المجتمع قد يقع فيها، ولا يجعل المجتمع تابعاً للمثقف من دون وعي ومساءلة ومحاسبة، وتحمي كذلك المجتمع من أخطاء قد يقع فيها المثقف فعلاً، أو يرى أن المثقف قد يقع فيها باعتبار أن المجتمع ليس مكوّناً من قطيع (كما يظن البعض) بل فيه متعلمون ونخب وأصحاب تجارب وتخصصات ، وكذلك في المجتمع هناك شرائح تستطيع نقد ما يقوله المثقف .وتتسم العلاقة بين المثقف والمجتمع بأنها من النوع الجدلي بمعنى أن كلاً منهما يؤثر في الآخر ، فليست العلاقة بين المجتمع والمثقف علاقة عامل مستقل وعامل تابع كما هي في علم الرياضيات ، ولتوضيح ذلك ، باعتبار أن المثقف نتاج مجتمعه لأنه فرد في مجتمع ، فالمثقف يتأثر بما يحمل المجتمع من قيم سلبية أو إيجابية وبما يوجد فيه من تعقيدات ، فالمفترض في المثقف الوقوف موقفاً سلبياً أمام القيم السلبية في المجتمع بنقدها والاعتراض عليها ومحاولة تغييرها ، كما المفترض في المثقف الوقوف موقفاً إيجابياً من القيم الإيجابية لنشرها والعمل من خلالها على ألاّ تتحول هذه القيم كسلطة تفرض اتجاهاً واحداً يصب في مصلحتها وتعارض مناقشتها ، ولاعتبار أن النقد الذي هو أحد مقومات المثقف الذي يمارسه على المجتمع بمكوناته ، فمن خلال هذا النقد يحاول المثقف التأثير في المجتمع ، وقد يمارس المثقف أفعالاً تجاه المجتمع توصف بالتمرد ، ومع هذا قد يُوفق المثقف في أداء هذه الأفعال والأدوار التي تخصه وقد لا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram