سميرة المانعأُتابع المرأة في الأدب العربي ، إيجازاً، في ثلاث مراحل، أعتقد أنها محطات مهمة في الأدب العربي عموماً. الأولى هي ما قبل ظهور الإسلام ، عندما كنا نسمع أن الشعر هو ديوان حياة العرب ، وفيه مثل هذين البيتين للشاعر ( آمرؤ القيس) :
أفاطمُ مهلاً بعض هذا التدلل وأن كنتِ قد ازمعتِ صرمي فاجمليأغركِ منـي أن حبـــك قاتلــي وإنكِ مهمــا تأمــري القلــب يفعــــلندهش للنداء الملتهب بالعاطفة، للرجاء الذي يُبديه أحد أعمدة الشعر في تلك الفترة في شبه الجزيرة العربية . ينادي حبيبته فاطمة، مصغرا اسمها للتحبب - على الطريقة العربية بالود- يترجاها كي تقلل من الدلال، تتمهل في الهجر إذا كانت مزمعة عليه. ثم يسألها هل صارت مغرورة بسبب حبه الشديد لها، القاتل له فهي تعرف أن قلبه يطيعها في كل شيء ويلبي كل ما تطلب. نفهم بعد مطالعة تلك الفترة من تأريخ العرب قبل الإسلام، أن الشاعر (امرؤ القيس ) كان أميراً في قومه وحبيبته مثله ، ولربما نشعر أن للأمراء ، في كل زمان ومكان، حظوظاً مختلفة، وكثيرا ما يغفر لهم ، لكننا سرعان ما نفطن إلى أن معظم شعراء العربية قبل الإسلام حذوا حذوه، وقد اتبعوا تقليدا في بناء قصائدهم حيث تبدأ بالتغزل بحبيباتهم : يذكرون أسمها علناً، صفاتها، شخصيتها، متى ينال الشاعر الوصل منها، إذا رضيت به، وإلاّ سيناله الوجع والسهاد إذا قوبل حبه بالرفض والجفاء. إذن للمرأة في الأدب العربي قبل الإسلام دور فعّال في نمو العلاقة العاطفية مع الجنس الآخر، تتبادل المشاعر من دون خوف أو شعور بالعار، فهي حق طبيعي مشروع، كما أن رفضها ورضاها يُحترمان ولها رأي مسموع واضح مثلما تطالب به المرأة الحديثة. قليلة هي الأمم التي فكر شعراؤها بهذه الطريقة ، ولولا حب العرب لنسائهم وتكريمهم واعتزازهم بهن لما فكر شعراء الأمة بهذا الأسلوب، ولما لُقب بعض رجالها باسم أمه بدلاً من أبيه : أبن كلثوم وأبن حفصة وأبن هند وغيرهم . بهذا المعنى ، وإذا كان الأدب مرآة للمجتمع ،كما يقال، فإن المرأة لم تكن، آنذاك، دمية جامدة مصبوغة بالطلاء، أو مطية يركبها الرجل متى شاء ثم تسير خلفه تابعة. ولإثبات وجهة النظر هذه قيل أن زوجة الرسول قبل الإسلام طلبت الزواج منه بنفسها، فتزوجها، وعاشت معه دون أن يشرك معها امرأة أخرى إلى أن توفيت، وكانت ،كما ذُكر، تكبره بعدة سنوات.بعد معرفة هذه الأمور كيف نوفق في تفسير ظاهرة " وأد البنات" الحديثات الولادة في تلك المنطقة ؟! إنها مسألة تدعو للإشمئزاز، وهي فضيحة كبرى. تجعلنا نعتقد أنهم يكرهون جنس الاُنثى كراهية السمِّ .مع هذا، وعلى الرغم من الفزع الذي ينتابنا، لابدّ لنا من تحليل ومعرفة ما كان يجري في تلك البيئة الصحراوية الجافة الخالية من الموارد ( قبل اكتشاف النفط !) من تناقضات . إن البنت المولودة تواً من أضعف بني الإنسان والصراع في البقاء على قيد الحياة بين الأفراد على أشده، نعتقد أن قسماً من الأعراب، المتضورين جوعا، الخائفين من غزو القبائل الأخرى لهم من اجل الغنائم ، ربما يكونون مضطرين للتخلص من أنثاهم كما يهمل الجيش المهزوم جرحاه متروكين في العراء لتنهشهم النسور والذئاب. اثبت البعض أن غريزة حب البقاء لا يمكن إنكارها ، وهي للأقوى ولابد من أن تكون متفوقة على جميع الغرائز. المحطة الثانية في مسيرة المرأة في الأدب العربي،هي بعد مجيء الإسلام. نشعر أنها بدأتْ بداية مبشرة، فقد سُمعت الشاعرة المخضرمة الخنساء ترثي أخاها صخرا، كما رثت أولادها. حرم الدين الجديد عادة "وأد البنات " واستبشعها. لكن المسألة لم تتوقف على ما جاء به الدين في رغبته بإشاعة العدل والرخاء بما يتناسب والمجتمع البدوي الصحراوي، بل مع توسعه وانتشاره في الديار، سرعان ما بدأ المفسرون من شتى الأقطار الإسلامية يدلون بآرائهم في معاني الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة والموضوعة كلٌ حسب وجهة نظره واجتهاده، حتى وصل الأمر، أحياناً، أن فسر البعض الأمور مجاراة للخليفة وللحكام وللسلاطين وللعوام، من أجل احتكار السلطة وهيمنة الرجال على النساء بل بالأحرى إزاحتهن عن طريقهم، متنافسين، من ثم بدورهم ،على حصة الأسد، تارة بالمناكب وكثيرا ما يكون التنافس بالسلاح.مرت قرون بعد ظهور الإسلام وانتقاله للدول القريبة والبعيدة. دخلت تبعاً لذلك عادات وتقاليد غريبة. في تلك الفترة بدأ الناس ببغداد، عاصمة الخلافة الإسلامية العباسية، يتداولون كتابا قصصيا خطيرا ، يُرجع البعض نصوصه لخليط من القصص الهندية والفارسية وغيرهما. تروى هذه القصص على لسان امرأة اسمها " شهرزاد" وعنوان الكتاب " ألف ليلة وليلة ". لو قارنا ما تفعله وسائل الإعلام اليوم، إذا أرادت تشويه سمعة أحدٍ ، لما ارتقت إلى ما حققه هذا الكتاب من تشويه لجنس المرأة . كل هذا تق
الــمــــرأة.. فـي الأدب العربــي
نشر في: 14 نوفمبر, 2010: 04:56 م