حسين علي الحمداني علينا أن ندرك جيدا بأن مسألة التحول الديمقراطي مسألة اجتماعية- سياسية وتحمل أبعاداً فكرية واقتصادية أيضا ، ولا يقتصر تحقيقها على مؤسسات الدولة فقط، إذ لا بد من أن تطول جميع الفئات والشرائح الاجتماعية المعنية تماماً بعملية التغيير الديمقراطي ، وبذلك تصبح الدولة ، عبر هذا المفهوم العام والشامل ، دولة للكل الاجتماعي ، وليست مجرد مؤسسة لفئة معينة من فئات المجتمع دون غيرها .
وبهذا تتخذ عملية التحول أبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية . ومنذ أن استولى البعث الفاشي على مقاليد السلطة في العراق في انقلاب تموز 1968 وشعبنا يعاني القمع والتعسف ، وانتهاك حقوق الإنسان وافتقاد حقوق المواطنة بصورة لا حدود لها ، عبر تغييب الحريات العامة المدنية والسياسية ، وطغيان القوانين الصدامية كسيفٍ مسلط على رقاب المواطنين ، إضافةً لاحتجاز السياسة عن المجتمع ، وإقصاء فاعلياته الرئيسة عن المساهمة الفاعلة في تحديد التوجهات العامة في مختلف الميادين ، وفي تطوير العلاقات الاجتماعية لمجتمع يعاني واقع التأخر التاريخي والتخلف الحضاري ، إضافة لانتشار الفساد والإفساد الذي طال جميع مؤسسات الدولة ، والإصرار على التحكم السلطوي الفئوي بمقدرات المجتمع ومصيره ، ومحاصرة طموحاته الوطنية في بناء دولة مدنية حديثة تواكب التقدم الإنساني، وما فيه من تحولات عالمية عميقة ومتسارعة في السياسة ، والاقتصاد ، والاجتماع ، والتقدم العلمي والتقني والثقافي .ولقد حاصرت الدولة الأمنية ذات الحزب الواحد الطموحات الشعبية والوطنية لبناء مقومات التحديث والحداثة في العديد من المجالات ، ومارست عملية القمع بجميع أشكال الحراك الثقافي والسياسي المدني ، وامتنعت عن السماح لمنظمات وهيئات المجتمع المدني ، وفي مقدمتها منظمات وجمعيات حقوق الإنسان ، في أن تتشكل بصورة طبيعية وقانونية ، بالرغم من توافر الشروط كافة، وأحكمت القبضة الأمنية المتشددة على تكويناتها الأولى ، ومارست سياسة الإقصاء إزاء التشكيلات الثقافية والحزبية الأخرى التي تتعارض مع نهجها التعسفي أو محاولة الاحتواء للهيمنة عليها ، وحرفها عن الأهداف النبيلة التي أنشئت وقامت من أجلها ، وذلك عبر ممارسات القمع والاعتقال ، ومنعها من ممارسة نشاطها المحدود والمتواضع أصلاً، في مجتمع يشكو أسباب التخلف كحالة عامة وقائمة ونتائجه التي تنعكس سلباً في الواقع الموضوعي، ما أدى إلى انتشار الفقر المدقع والأوضاع المعيشية البائسة ، وعدم قدرة المواطنين على تلبية احتياجات أبنائهم وأسرهم المادية في أبسط مستوياتها ، وسط أوضاعٍ اقتصادية متردية تنذر بمخاطر كبيرة في حال استمرار هذا التدهور الواضح .من هنا يمكننا القول إننا لم نكن نمتلك مقومات الدولة الحديثة قبل التاسع من نيسان 2003 وبالتالي لا يمكننا أن نقول إننا كنا نعيش في دولة ديمقراطية ونسعى لبناء ديمقراطي رغم إن الديمقراطية لن تكون حلاً سحرياً لكل المشكلات والإشكاليات التي خلفها النظام المباد على الصعد كافة، إلا أنها تحقق المناخ السياسي اللازم لحل هذه الإشكاليات بطريقة موضوعية صائبة ، بعيداً عن ارتكاب الحماقات والأخطاء التي كثيراً ما ترتكب في ظل غياب الديمقراطية ، وحضور القمع والاستبداد وانتهاك كرامة الوطن والمواطنين . من هذا المنطلق نجد أنّ ثمة عقبات كبيرة واجهت التحول الديمقراطي وبناء الدولة في العراق، وأبرزها الطبيعة البنيوية للدولة الأمنية في العراق إبان حكم البعث الفاشي ومخلفاته الكبيرة ، يضاف إلى ذلك التحديات الإقليمية التي واجهت العراق حكومة وشعباً منذ التاسع من نيسان 2003 وتمثلت بالتدخل العلني من قبل الكثير من الدول الإقليمية ودعمها فصائل مسلحة تحت تسميات مختلفة وتسخير الماكنة الإعلامية لتقويض نشأة وتكوين الدولة العراقية الحديثة، خشية وصول الديمقراطية إليها خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تسعى لجعل العراق إنموذجاً للديمقراطية في المنطقة، كما قلنا هذه التدخلات ساهمت في القضاء على ما تبقى من البنى التحتية للدولة من منشآت وخدمات تصب في مصلحة الشعب العراقي عبر عمليات إرهابية منظمة طالت محطات: الكهرباء ومياه الشرب وأنابيب النفط وغيرها. وهذه التحديات من الخطورة بحيث استطاعت لفترة ما من جر العراق ومشروعه الديمقراطي إلى التناحر الذي قاد إلى المحاصصة المبنية أساسا على أسس عرقية وطائفية. ومع كل هذه التحديات وجدنا إن التحول الديمقراطي في العراق قد أنجز بالتصويت على الدستور وانتخاب حكومة ومجالس محافظات رافقها تحسن أمني ملحوظ وانكفاء العديد من الدول الإقليمية وخاصة بعض الدول العربية عن التدخل المباشر في الشأن العراقي ، هذا التحول أتاح للحكومة العراقية الحالية أن تنجز انتخابات مجالس المحافظات في بداية عام 2009 بشكل سليم نال إعجاب واستحسان المراقبين الدوليين، وبالتالي فإن العراق يتجه الى تطبيق معايير الديمقراطية والنظام الديمقراطي التي تتمثل في عدد من الأسس الرئيسة، نتخير منها : أولاً إقامة دولة الحق والقانون ، أو بالأحرى سيادة القانون العادل ناظماً للعلاقات بين أبناء المجتمع وفئاته المختلفة ومساواتهم الكاملة أمام القانون ، وبينها وبين مؤسسات الدولة في مستوياتها المتعددة ، وان لا شيء في المجتمع بدون قانون ، وهذا يتطلب بالضرورة أولاً وقبل كل شيء التأسيس لعقد اجتماعي وتعاقد مج
التحول الديمقراطي والتغيير المطلوب
نشر في: 22 نوفمبر, 2010: 05:11 م