طارق الجبوريتوقفت كثيرا عند موضوع (كتابة التاريخ أم صناعته؟)المنشور في صفحه آراء وأفكار بتاريخ 18/11، وارجو ان يتسع صدر كاتبته إيمان محسن جاسم لملاحظاتي تعميما للفائدة خاصة ونحن في مدرسة المدى التي حرصت على فتح أوسع النوافذ للنقاش واحترام الرأي والرأي الآخر .
ولا أزعم هنا التخصص في علم التاريخ، غير إن معلوماتي المتواضعة وتصفحي احيانا لما يكتب بشأن الموضوع قد يسمح لي بملاحظات قد تغنيه ،خاصة وان علم التاريخ ونظريات كتابته لم يجر الاتفاق عليها بشكل نهائي منذ عصر الاغريق، حيث لم يستطع احد الزعم بصحة تعريف محدد للتاريخ او الادعاء بوجود نظرية مطلقة له رغم كل التطورات التي حصلت في العالم بشأن كتابة التاريخ ،غير اننا يمكن ان نتلمس شبه اتفاق على ان (الاحداث والظواهر التاريخية لايصنعها فرد اوجماعة ولاهي بمعزل عن ظروف اخرى كثيرة منها البيئة ..) كما ان ليس هنالك من يستطيع الادعاء سواء من يتصدى لكتابة التاريخ اوغيره من العلوم الاخرى حياديته المطلقة ولابد من أن يكون بهذا الشكل او ذاك منحازاً لموقف تمليه عليه خلفياته الفكرية وإيمانه بهذه النظرية او تلك.ومع اتفاقنا مع ماجاء في مقدمة الموضوع عن ظهور (العديد من المدارس التاريخية التي طرحت رؤيتها لفهم التاريخ وكتابته ) ليتوصل بعدها الى استنتاج مفاده: بأن بعض هذه المدارس اتخذ (هذا وسيلة لإعادة كتابة التاريخ ...بغية ترسيخ ذلك في الاجيال ..)غير ان مانختلف فيه قول كاتبته بعدم استنادها (الى الوثائق بقدر استنادها للروايات )،متناسية بأن التاريخ يعتمد في جزء منه على الوثائق والروايات بعد تدقيقها ،لكن لانعدم احتمالية ان الالمان وغيرهم ممن أرادوا فرض رؤى معينة قد بالغوا في تسخير الروايات مثلما بالغوا في استخدام الوثائق وتعمدوا تحريف محتوياتها للترويج لمفاهيم معينة بشأن التفوق العرقي او غيره.ونحسب ان الاختلاف في تفسير الكثير من الاحداث التاريخية ليس بالجديد وهو يرتبط بجملة عوامل، من بينها السياسي والعسكري والاجتماعي والديني الذي يعده البعض من اهم المؤثرات،وكثيرة هي الأمثلة على انعكاس تلك العواملوالمؤثرات على تفسير الاحداث التاريخية ومنها تفسير السبي البابلي لليهود. فالنظرالى الموضوع من زاوية دينية يناقض ويقاطع من يفسره كضرورة عسكرية او سياسية .ويسترسل الموضوع بشكل غريب وانتقائي يوحي وكأنه يتعمد ، وأرجو أن أكون مخطئاً ، في مسح كل ما جادت به العقلية العربية وجهود العلماء العرب والمسلمين في مجال كتابة التاريخ ، عندما يشير وبعمومية مبالغ فيها الى انه ( لم يعتمد على الوثيقة كمرجعية ) دون ان يذكر دليلاً على ذلك ،ثم تسترسل الكاتبة لتقول ( انه تناول التاريخ بمعزل عن العوامل الاجتماعية والدينية والاقتصادية في لحظتها..) ولاندري ان كانت تقصد ان الشعر العربي الذي عده الكثيرون مرآة ووعاء لحياة العرب لايصلح ان يكون مرجعية ، ناهيك عن اعتماد البعض القرآن الكريم والاحاديث النبوية الشريفة وسيرة آل البيت ‘(ع) والصحابة الكرام كوثيقة في تفسير عدد غير قليل من الحوادث، رغم تباين وجهات النظر الكثيرة، التي تؤكد انفتاح العقل العربي، كما ان ما اورده الكثير من المهتمين بالتاريخ عن سبق العلماء العرب ومنهم ابن خلدون يؤكد القدرة الفائقة للعقلية العربية في عصور النهضة على الاستنباط والتحليل واعتمادهم على العوامل المذكورة في تفسير ما جرى من احداث. وبشأن هذا المعنى او قريب منه يقول الناقد والمفكر البريطاني ريموند وليامز ( بأن التاريخ له عدة معان منها: البحث والتحري وكذلك هو ناتج البحث ورواية المعلومات وسرد الاحداث..)، ومثلما لا تخلو كتابات أمم أخرى في العالم الى انحيازلحكامهم ، كذلك تصرف البعض من الكتاب العرب في تسويغ خطايا وآثام (الخلفاء وامراء المؤمنين في فترة الحكم الاموي والعباسي) لكن الموضوعية تقتضي التمييز بينهم وبين آخرين تصدوا بشجاعة لكتابة التاريخ بموضوعية ووثقوا ما عانته الشعوب الاسلامية من مظالم ، دون ان يغفلوا ذكر لمحات مضيئة ومشرقة فيه ،بل ان البعض ساهم بأحداثه خاصة في فترة الحروب الصليبية كالمقريزي والاصفهاني وابن الاثير وغيرهم ، لذا فليس لنا ان نأخذ التاريخ واحداثه بشكل مجزّأ فـ (لا يوجد تاريخ معزول بل يحدث وسط ملابسات وتعقيدات).ومرة اخرى يتجنى الموضوع على جهد العديد من المفكرين العرب وجهودهم عندما يحاول الربط القسري بينه وبين المدرسة الرانكية ، بل ويعيب عليهم كما نفهم تأثرهم بالاتجاهات القومية إبان إرسالهم في بعثات الى اوروبا خلال فترة الحكم العثماني ، في حين ان كل النظريات تقر بالتأثير المتبادل بين الشعوب الذي انتج على مر التاريخ هذه المنظومة المعرفية الواسعة ،مع أن ليس كل من كتب التاريخ بمفهوم قومي متعصب بالضرورة تكون كتابته او( قراءته التاريخ على حساب القوميات الاخرى المتواجدة على ارض العرب.) ولانظننا نكون متعصبين او غير منصفين اذا اشرنا الى ان القومية العربية تعرضت الى هجمات كان اشدها اذاً تشويه البعض من حمل رايتها معانيها والترويج باسمها بدعاوى حمايتها الى الانفراد بالحكم والاستئثار بالسلطة والتنكيل حتى بأكثر العروبيين نسباً ودعوة ،ما يجعل ضرورة تناول هذ
إنصافاً للحقيقة.. ملاحظات بشأن (كتابة التاريخ أم صناعته؟)
نشر في: 22 نوفمبر, 2010: 05:15 م