اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > مراجعات.. الــدنـيـــا فـي حـقـيـبـة يـــد رضــــوى

مراجعات.. الــدنـيـــا فـي حـقـيـبـة يـــد رضــــوى

نشر في: 27 نوفمبر, 2010: 05:23 م

نزار عبد الستارمن روعة حظنا انه لا يوجد كتاب يمكن له أن يقول كل شيء. هذه الحكمة لا تدرك مع الرواية الأولى، وربما رضوى الأسود وهي تكتب حفل المئوية لم تنتبه إلى انها حشرت الدنيا كلها في حقيبة يدها. على هذا النحو المفرط في الحساسية تولد التطلعات الكبيرة.
رواية حفل المئوية تشيع ارتياحا أوليا وهو شعور يتأتى من النيات الحسنة التي تثير الانتباه من شدة مثاليتها. انها رواية تسعى لاستعادة القيم وخلق التوازن والتذكير بالقواعد الصحيحة، والجميل في هذا العمل انه يشبه إشارة مرورية حمراء أو علامة لونية تدل على ارتفاع نسبة الخطر. وإذا ما فحصنا التكنيك الروائي المتبع فسنجده يحيلنا إلى جيل الستينيات وإلى التجريب المحفوظي في الثمانينيات. وبما انها الرواية الأولى فان هذا القدر من الشعور بالمسؤولية الذي يتلبس الكاتبة هو مؤشر لابد من ان يؤخذ بنظر الاعتبار ويحسب لرضوى.الروايات تشبهنا، وهذه الحقيقة مرجعها هنري جيمس حيث الهدف الأسمى هو جعل الرواية قلباً نابضاً بالحياة والمعيار الفني هو الاستشعار ومعنى هذا ان يملك الكاتب من ضمن فطرته التطلع إلى عالم نظيف والسعي إلى نحت الجمال. من هذا المبدأ سعت رضوى الأسود إلى تنظيم العالم من خلال ست حكايات منفصلة تمثل نساء كن فيما مضى من فتيات المكتبة والصحافة المدرسية ويجتمعن بعد مرور سنوات طويلة على تخرجهن من مدرسة الراهبات الفرنسية في حفل أقامته مدرستهن بمناسبة مرور مائة عام على تأسيسها. القصص الست تبدو في إطارها الاجتماعي انحناءات حياتية طبيعية ولكنها تمثل تحديات في المقام الأول حيث ان بطلات الرواية: رانيا ومريم ونسيلة ودينا وجوى وأروى، هن مجموعة أفكار وأحلام أرادت المؤلفة ان تجعلهن متيقظات وحاضرات في الصراع حتى في اشد حالات الضعف. وكما أن دينا في النهاية تقوم بخلع غطاء الوجه أمام جموع الحفل في المدرسة "مثلما خلعت صفية زغلول غطاء وجهها أمام الجموع تعبيرا عن تحرر المرأة من الانزواء في الحريم التركي" فان أروى تدافع عن الفن وترى انه       لا يجب الحكم على رواية أو لوحة فنية من منطلق ديني ومثلها جوى التي تبحث عن الطاقة الايجابية في الحياة ممثلة بالحب والحلم. أما نسيلة فانها تحترم الحرية كقيمة مطلقة وهو أيضا ما تدركه مريم وتراه يتطابق مع روحها وميولها الأدبية بينما رانيا ابنة الطبقة الطفيلية التي ظهرت" بشكل سرطاني" في أواخر السبعينيات من القرن الماضي فهي منقسمة الجسد والروح.رضوى الأسود وضعت في روايتها عشرات الأسماء لشخصيات أدبية وفنية وفكرية ولروايات وكتب، وبطلاتها يتحدثن بثقة ويدافعن عن أفكارهن بيقين لا يتزحزح. انها محاولة واعية من المؤلفة لاسترجاع القيمة المسلوبة، ولنقل استرجاع مصر بقيمها الثقافية واشعاعها التنويري، وهذا الإصرار جاء أحيانا على حساب التوازن الفني إلا انني أجده مقبولا ويحسب للمؤلفة فدنيا ارتأت أن تقلد شخصية وطنية مثل صفية زغلول لا أن تأتي بشيء جديد وهذا بمثابة تذكير وعودة إلى نقطة الانطلاق الأولى، كما ان دعوة المشاركة بالحفل التي أرسلتها مدرسة الراهبات إلى طالباتها هي أيضا استدراج إلى اللقاء وإزاحة اللبس والعودة إلى فهم قيمة التسامح وكأن رضوى تريد أخبارنا أن الظلام المحيط بنا لا ينتمي الينا واننا اجتهدنا في تفسيرات خاطئة للدين والثقافة والحياة وعلينا استرجاع حقيقتنا.حفل المئوية رواية أخلاقية تنتقد مصر التي منعت الموديل العاري منذ عام 1979 بينما مايكل انجلو كان يرسم لوحته الجدارية العملاقة عن سفر التكوين على سقف كنيسة سيستاين وهو عار كي يكون جسده هو الموديل الحي الذي أمامه. انه التضارب والانغلاق وهذا هو الخطر الذي تنبه اليه الرواية وترجونا من خلاله ان نبحث عن نورنا القديم المتميز.ان تاريخ الرواية العالمية يرتبط بالدافع النبيل وهذا سبب وجيه لمسامحة هنري مللر و د.هـ .لورنس والعديد من كتاب الرجة الكهربائية. الكثيرون هذه الايام يفتقرون إلى حكمة طاغور لكن من الضروري أن يكون بيننا من لا يعرف أن الحياة مشبعة بالغش. انه الاعتماد الجذري على القيمة الإنسانية والحياتية وهذا بحد ذاته يشيع التفاؤل لاننا في النهاية نكتب من أعماق قلوبنا. في حقيقة الأمر ان ارثنا الروائي العظيم تأسس على الأخلاق وإذا ما أخذنا تاريخ المتعة الفنية الذي لخصته روايات مؤلمة تفضح الشقاء الإنساني وتسجل أقسى حالات الظلم والاستبداد فان الخلود كان من نصيب الأعمال التي كتبت بضمير حي يصل إلى درجة النقاء الكلي. على هذا الشكل لا يمكن لأحد أن ينتقد فيكتور هيجو أو تولستوي أو دوستويفسكي فهؤلاء خرجوا من حلبة التقييم إلى مركبة النصر. قياسا بهذه الصورة يمكن القول أن رضوى الأسود تختلف تماما عن جيلها من الروائيين الجدد فهي ليست ضمن موجه بحر وعملها الأول وان شابه الاندفاع المنفعل بطاقة الروح فانه يؤسس لخطاب جديد متعقل ويعد بالكثير.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram