طالب المحسنفي الحياة تمر عليك أشياء ، وللوهلة الاولى قد تعطيها انطباعاً سطحياً ولا تتمكن إلاّ بعد حين من رؤية ما تحويه هذه الامور من حقائق ، مرت علي لقطة في التلفاز عن صقر يصطاد سمكة ويطير بها عاليا ثم يذهب الى قمة جبل حيث يضع صغاره ويطعمهم السمكة.
حين رأيت اللقطة ذاتها ثانية بعد أيام أصبت بالفزع فإن هذا الصقر يلتقط السمكة الحية من وسطها الذي تعيش فيه ثم يحلق بها عالياً بعيداً جداً عن الماء حيث تموت اختناقاً وهي معلقة بمخالبه ، تموت كسيرة ، مرعوبة ومختنقة كي تصبح طعاما في ما بعد لمخالب ومناقير أخرى .لقطة أخرى، ضبع يصطاد ثوراً، ألثور بضخامته وقرونه الناتئة ، يصطاده ويلتهمه ، لكن بأية طريقة .... انه ينشب مخالبه الحادة في كتف الثور ثم يفتح فمه الكبير ويطبقه على فم الثور فيجبره على أن يتنفس داخل جوف الضبع النتن حتى يختنق ويموت ثم يأكله على هواه . إن إجبار الكائنات على أن تتنفس خارج وسطها هي طبيعة اسلافنا وما زالت تطل برأسها هنا وهناك . في هذه الايام تشهد الحياة المدنية العراقية تعسفاً جديداً وذلك بفرض الوصايا على سلوك بعض الناس وتضييق هامش حرياتهم. إن سلوك الدولة هذا هو بالونات اختبار، ثم الانتقال الى إخراج الناس من وسطهم الذي هو ثمرة فكرهم الحر المسالم ثم إجبارهم لاحقا وبشكل تدريجي على أن يعيشوا خارج وسطهم والتنفس من هواء جاهز يفسد رئة المواطن ويخنقه . ان الدولة ومؤسساتها معنية بخدمة الشعب وليس فرض الوصايا على سلوكه وتقليل شأن حرياته . على الدولة ان تكافح الفساد الإداري والمالي والأمني لا أن تحشر نفسها في زاوية تجعل من أعداد هائلة ومسالمة جدا على الطرف الآخر من المعادلة. وعلى كل المثقفين ان تكون جلودهم رقيقه وتتحسس السوط الاول لا ان يلوذوا بالصمت وتثخن جلودهم وتتقرّن، وحينها تمر عليهم سياط الدنيا دون ان ترتفع ولو يدٌ واحدة لتلوي ذلك السوط الأعمى ، حتى لا نعود للدكتاتورية مرة أخرى لأن الذات بدأت تتضخم عند بعض الساسة الذين يحتاجون الى وخزة دامية في ضمائرهم المتحجرة.
الحـريـات وتضخّـم ذات الســاســة
نشر في: 5 ديسمبر, 2010: 04:52 م