حسين علي الحمدانيأصبحت قضية حقوق الانسان واحدة من أهم القضايا على الساحتين السياسية والثقافية خلال السنوات الماضية، وعلى الرغـم من هذا الانتشار واتـساع التداول فإنها لا تـزال محاطة بقدر من الغموض والتشويش، ولا تزال خاضعة لذاتية التفسير وبراغماتية التطبيق،
فقد شنت حروب ودمـرت دول وارتكبت مجازر وأزهقت أرواح وانتهكت حرمات باسم حقوق الإنسان، وما من دولة إلاّ وتدعي إنها تحـترم حقوق الإنسان في سياساتها الخارجية وعلاقاتها الدولية، وإنها تحترم مبادئ حقوق الإنسان وتنفذ مـبادئ حقوق المواطنة وتـحترمها في سياساتها وفي تعاملها مع مواطنيها وثبت ذلك في دساتيرها . وعلى الرغم من التوظيف السياسي لمبادئ حقوق الانسان على المستوى الدولي فإن ما يهمنا هنا هو الاختلالات التي تؤثر على مستوى الالتزام بمبادئ المواطنة على المستوى الداخلي، فجميع الدول الاستبدادية والشمولية والديكتاتورية والديمقراطية تدعي إنها تحترم حقوق الإنسان وتنفذ مـبادئ حقوق الـمواطنة، ومـسيرة حقوق الانسان مسيرة طويلة، وقد بدأت الإنسانية في تحقيق أول تحول كبير في مسيرة حقوق الانسان عندما تم الانـتقال مـن دولة الحـق الإلهي في أوروبا إلى دولة العقد الاجتماعي، وقد تزامن هذا التحول مع ولادة الرأسـماليـة وظهور البرجوازية، وما ترتب عليه من ظهور الدولة القومية. وفي ظل الدولة القومية ظـهرت حقوق الرعايا، فـكل شخص يخضع لسيادة الدولة له حقوق معينة، وأصبح الفرد في ظل هذه الدولة احد رعاياها بمعنى إن له حقوقاً باعتباره متمتعاً بجنسية الدولة . وعلى الرغم مما حدث من تحول في أوروبا مع ظهور الطبقات الجديدة فإن ما حصلت عليه من حقوق لم يتعد الحقوق المدنية، ولم تحصل على أية حقوق سياسية، فقد ظلت تخضع لأنظمة سياسية تقوم على الحكم المطلق وحكومات تتصرف في شؤون البلاد والعباد حـسـب نزواتها، وحــكام يحتكرون كل السلطات، ولا يتيحون لشعوبهم أي فرصة للمشاركة في تحديد مصير دولتهم باعتبارهم رعـايا لا مـواطنين، وقد ناضلت البرجوازية الناشئة من اجل التحول من النظام السياسي القائم على أساس الجنسية الى نظام سياسي يقوم على أساس المواطنة،وقد تمثلت اولى الانتصارات التي تحققت في مسيرة التحول نحو حقوق المـواطنة في عـدد من الوثـائـق التي صدرت عن الثورات الانكليزية والفرنسية والأميركية، حيث صدر إعلان الحقوق فـي بريـطانـيا عـام 1689م ووثيقة حقوق الانسان والمواطن التي صدرت في فرنسا عام 1789م ووثيقة الإعلان عن استقلال الولايـات المتحدة الأميركية عام 1776م ثم دستور الولايات المتحدة الأميركية عام 1787م وإعلان الحقوق الأميركية عام 1791م . والدولة التي تتعامل مع السكان فيها باعتبـارهم رعايا تمنحهم ما يسمى بالحقوق المدنية السلبية، إلا إن المساواة بين السكان فيها تكاد تكون معدومة سياسياً واقتصادياً، وتتمتع في ظلها الصفوات التقليدية والارستقراطية بامتيازات سياسية واقتصادية كبيرة، وتـأتي مـعظم هـذه الامتيازات من خلال سيطرتها على الدولة، التي لا تتاح للفئات الاجتماعية الشعبية والطبقات الجديدة فيها أية فرصة للوصول الى السلطة ومراكز صنع القرار فيها، وتقوم الصفوة التقليدية المسيطرة على الدولة والسلطة بترويج ثقافة لا تساعد على التقدم السياسي والاقتصادي، وتبرر كل أشكال انتهاك حقوق الانسان الناجمة عن تجاوزات الحكومة وتشوهات النظام السياسي. وندرك جميعا بأنه لا تتحقق مبادئ المواطنة المتساوية إلاّ في ظل الدولة الديمقراطية والتي يمكن ان توصف ايضاً بالدولـة المدنية، ذلك ان مفهوم المجتمع المدني بمعناه الواسع يشمل الدولة والمجتمع،ومفهوم المجتمع المدني بهذا المعنـى يقصد به المـجتمع الـذي تنظم فيه العلاقة بين الدولة والمواطنين على أساس القانون، وهو بهذا المعنى نقيض المجتمع العسكري والمـجتمع الديني والمجتمع القبلي والمجتمع العنصري، حيث تقوم العلاقات بين أفراده على أساس القانون لا على أساس التراتبية العسكرية او القبلية او التفويض الإلهي، ولا يمكن تحقيق ذلك إلاّ في ظل انتشار ثقافة مدنـية قائـمة على المساواة والحرية والعدالة والاعتراف بالآخر والاحتكام الى القانون وحل الخلافات بالطرق السلمية .وشهد العراق تطورات سياسة وقانونـية مهمة باتجاه تكريس حقوق الانسان ومبادئ وحقوق المواطنة المتساوية، بعد التغيير الشامل في التاسع من نيسان عام 2003،ولكن ظلت هنالك بعض المخلفات التي أدت إلى انتهاكات كثيرة وكبيرة في هذا الميدان أو ذلك خاصة ما يتعلق منها بحرية التعبير عن الرأي .ولا يزال مبدأ تكافؤ الفرص في كل المجالات محدوداً جداً، وما زالت معوقات اجتماعية عديدة، والفساد لم تحقق جهود مكافحته سوى نجاحات محدودة جداً. إنّ تــفعيل حقوق المواطنة لا يتم بمجرد إتمام التحول القانوني، ذلك ان المسؤولين عن إنفاذ القانون ما زالـوا متأثرين بتوجهات ثقافية تقليدية تتعارض مع ثقافة حقوق الانسان وحقوق المواطن ومبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يضمن للإنسان حقوقه كاملة، والعراق من الدول الموقعة على هذا الإعلان، هذا الإعلان العالمي الذي نحتفل بذكراه السنوية في العاشر من كانون الأول من كل عام ، علينا ونحن نحتفل به هذا الع
حقوق الإنسان لا يمكن تجزئتها
نشر في: 8 ديسمبر, 2010: 04:31 م