علي نافع حموديفي العاشر من كانون الأول من عام 1948 صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، كرد فعل طبيعي على مجموعة فظيعة من الانتهاكات التي تعرض لها الإنسان في بقاع عديدة من العالم ، لا سيما جرائم الحرب العالمية الثانية وما تركته من آثارا كبيرة ليس في أوروبا وحدها بل في عموم العالم وما تسببت به من كوارث جمة .
ونحن في العراق كنا بعيدين جداً عن هذا اليوم العالمي ، بل لم نكن نسعى لمعرفة ما تضمنه هذا الاعلان العالمي من مواد واتفاقيات من شأنها أن ترتقي بحالة الانسان لما هو أفضل ، واليوم وبعد كل هذه السنوات من التغير الشامل في ميادين الحياة كافة أصبحنا نعيش في هذا العالم مع بقية البشر الآخرين، نتقاسم معهم واجبات وحقوقاً تتعلق بمصير الانسان واستمرار بقائه واحترام كيانه، ولا يمكن لأي مجتمع ان يعيش في معزل عن البقية من دون ان يرتبط بعلاقات إنسانية هدفها الأمن والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والقانوني الذي يوفر من بعد الرخاء والاحترام المتبادل في مجال خدمة الانسان وحقوقه الأساسية. إذن نحن نعيش في عصر العولمة الذي له التأثير الكبير على كيان أي مجتمع او اية دولة و بالتالي سيكون له الأثر الأكبر على مسألة حقوق الانسان في جميع بلدان العالم ولاشك في ان تاريخ العولمة لم يبدأ كما يتخيل البعض فقط منذ سنوات قصيرة وإنما موضوع العولمة من الناحية الاقتصادية كما يراه الكثير من الباحثين تعود جذوره الى رحلات الكشف الأوروبي في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي و بروز الرأسمالية في أوروبا الغربية، بينما عولمة حقوق الانسان بدأت منذ نهاية الحرب العالمية الأولى و منذ ان قام المجتمع الدولي بإنشاء عصبة الأمم وبعد ان تطورت فكرة التقارب العالمي أو الدولي، إذ قام المجتمع الدولي بإنشاء منظمة الأمم المتحدة ومن ثم جاءت القوانين والاتفاقيات الدولية في مجالات الطيران والبحار والفضاء والتجارة الدولية والعلوم والثقافة وخصوصا في مجال حقوق الانسان, وبالتالي فان اغلب دول العالم قد انضمت إلى الأمم المتحدة وهي من ثم ارتبطت ارتباطاً عضوياً بما جاء في ميثاقها وخصوصا في ما يتعلق بمسألة حقوق الانسان حيث يقول الميثاق: (ان الدول إذ تنضم إلى الأمم المتحدة تتعهد بان تتخذ جميع الإجراءات الضرورية، سواء كانت مشتركة مع الأعضاء أم منفردة و بالتعاون مع الأمم المتحدة لتعزيز الاحترام الدولي لحقوق الانسان و أيضا العمل على تنفيذها واحترام الحقوق والحريات الأساسية من دون تمييز وتفريق بين الأجناس أو اللغات او الأديان) إن هذا التعهد من الدول ليس تعهداً شكلياً أو تعهد مجاملة دولية وإنما تعهد ينطوي على التزام قانوني يلزم الدول والأطراف أو الأعضاء بان تكون قوانينها وتطبيقاتها في ظل المبادئ المتعارف عليها من المجتمع الدولي أي بمعنى أكثر وضوحاً هو ان أجهزتها أو سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية يجب ان تخضع للمبادئ الأساسية وان تدخلها في قوانينها الداخلية وان تقوم بتطبيق هذه القوانين أمام محاكمها واحترام ذلك من السلطة التنفيذية. هنا يمكننا القول بان حقوق الانسان تعتبر اكبر تراث إنساني مشترك للإنسانية جاء مع ظهوره كل الديانات السماوية الثلاث :اليهودي والمسيحي والإسلامي وأيضا جاء هذا التراث الإنساني لحقوق الانسان كنتيجة طبيعية لظهور مبادئ الفلسفات والتطور الفكري للإنسان والرقي في الميادين الاجتماعية و الثقافية والسياسية والاقتصادية وغيرها، فالوثائق المختلفة والمتعلقة بحقوق الانسان بما فيها ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في العاشر من ديسمبر 1948 و عهدي حقوق الانسان اللذين تم إقرارهما سنة 1966 و3 يناير 1976 والخاصين بالحقوق السياسية والمدنية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبرتوكولات الاختيارية الملحقة بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الأول: بتاريخ 16 ديسمبر 1966 والثاني بتاريخ 11 يوليو 1991 ما هي إلا دليل على التطور البشري في مجال حقوق الانسان. ولم يكتف المجتمع الدولي بإقرار اتفاقيات و مبادئ لحقوق الانسان بل انه قام بعمل مهم و جبار بإقراره مبدأ العقاب لمخالفي أو منتهكي حقوق الانسان، حيث اهتم المجتمع الدولي منذ الحرب العالمية الثانية بالقضاء الجنائي الدولي وذلك بمحاكمة مجرمي الحرب أمام محكمة نورنبيرج ومحكمة طوكيو، ولكن المجتمع الدولي الحديث لم يكتف بذلك بل رأى ان الأمر يجب ان يتعدى ذلك حيث تم الاهتمام بإنشاء القضاء الجنائي الدولي فتم إنشاء المحاكم الجنائية الدولية لمحاكمة المجرمين في أحداث رواندا وبروندي كذلك محاكمة المجرمين في الحرب في يوغسلافيا السابقة وما نشاهده اليوم من محاكمات جنائية تمس مبادئ حقوق الإنسان في العراق، فإذا كانت الاتفاقيات والعهود الدولية تشكل العصب الأساسي في ما يخدم حقوق الانسان في جميع بقاع الأرض فان هذا لا يتأتى إلا مع وجود قواعد قانونية، أي وجود نظام قانوني تشريعي يكفل هذه الحقوق وليس فقط ان تكون هناك تشريعات تنص صراحة على هذه الحقوق وإنما الأهم من ذلك توفر الأدوات الأساسية لتطبيق نصوص القانون في هذا المجال، ومن ثم يجب ان يقترن التشريع الأساسي لحقوق الانسان بحماية دستورية لا يجوز للسلطة التنفيذية وا
حقوق الإنسان بين التطبيق والتهميش
نشر في: 8 ديسمبر, 2010: 04:32 م