إيمان محسن جاسمهل هي مصادفة إن نكتب اليوم مستذكرين الذكرى السنوية العالمية لتبني المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وسط جملة انتهاكات يتعرض لها المجتمع العراقي ، هذا المجتمع الذي انتقل من النظام الدكتاتوري إلى أجواء الديمقراطية ممنيا النفس بتغييرات كبيرة تطول الكثير من القوانين التي كبلت المجتمع في مجالات عدة، فكرية كانت أم اجتماعية أو اقتصادية
وما ترتبت على ذلك من هدر كبير لحقوق المواطن وضياعها وسط دوامة كبيرة من قوانين التخلف التي يحاول البعض الرجوع إليها بين الحين والآخر. لهذا فإن العالم بأسره يحتفل في العاشر من كانون الأول من كل عام بالذكرى السنوية لنشر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 217 ألف (د-3) المؤرخ في العاشر من كانون الأول/ديسمبر 1948. ولمن لم يطالع الإعلان فأننا نقول له بأنه احتوى على ديباجة و(30) مادة نصت على حقوق الإنسان. في الاعلان تمت الإشارة بوضوح الى ان الناس جميعا يولدون أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، ولكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي السياسي أو غير السياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر، وفضلا عن ذلك لا يجوز التمييز على أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص، سواء أكان مستقلا أو موضوعا تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو خاضعا لأي قيد آخر على سيادته، ولكل فرد حق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه. وقد كتبت الديباجة بلغة جميلة وجيدة. إن ميلاد الاعلان العالمي لحقوق الإنسان شكل إنجازاً انسانياً مهماً أصبح بمثابة نقطة تحول أساسية في طريق التضامن والتعاون الدولي، كنتيجة طبيعية للتفاعل الايجابي بين مختلف الحضارات والثقافات والأديان. وشكل في الوقت نفسه القاعدة القانونية العامة التي تعتبر المصدر الرئيس الذي تتفرع منه كل الإعلانات والاتفاقيات الدولية والإقليمية حول حقوق الانسان، مثل العهدين الدوليين والبروتوكولات الاختيارية الملحقة بهما، واتفاقية حقوق الطفل وحقوق المرأة واتفاقيات القضاء على التمييز بجميع أشكاله. وجاء الإعلان متضمناً معظم الحقوق التي ناضلت من أجلها البشرية عبر التاريخ، ابتداءً من حقها في حفظ وصيانة كرامتها وحريتها القانونية، التي يجب ان تبقى بعيدة عن الانتهاك تحت أي ظرف أو أية ذريعة كانت. وأصبح ينظر الى حقوق الإنسان على أنها المعايير الأساسية التي لا يمكن للناس، من دونها أن يعيشوا بكرامة كبشر. وهي أساس الحرية والعدالة والسلام، وإن من شأن احترامها إتاحة فرص تنمية الفرد والمجتمع تنمية كاملة. ونلاحظ إن السعي الى نشر ثقافة حقوق الانسان وتأطيرها في إطار قانون دولي، أصبح بمثابة دستور لجميع الشعوب على اختلاف ثقافاتهم ودولهم وتجسد في عمل وميثاق منظمة الأمم المتحدة التي جاءت لتكون مظلة لجميع دول وشعوب العالم، التي أكد ميثاقها على عالمية حقوق الانسان وضرورة العمل من اجل حمايتها من أي اعتداء أو انتهاك. إن نشر ثقافة حقوق الانسان بين أفراد المجتمع يسهم بشكل كبير في بلورة وصناعة مجتمع مؤمن بالرأي والرأي الآخر واحترام حقوق الآخرين، خاصة إننا في العراق نسعى لبناء دولة حديثة قائمة على الإنسان كهدف وغاية، وهذا الإنسان يجب أن يتمتع بالحقوق المنصوص عليها في المواثيق الدولية بعد أن عاش الانسان العراقي حقباً طويلة من الظلم والجور وتغييب الرأي ومصادرته , نجد ان نشر مفاهيم حقوق الانسان والمناداة بها وتطبيقها بالشكل السليم والصحيح يدفعنا الى أن نكون في مصاف الدول المتقدمة في هذا الميدان، ولنا من المؤسسات القادرة على ذلك الكثير خاصة ان وزارة التربية أدخلت مفاهيم حقوق الانسان ضمن المناهج التدريسية والتعليمية لمختلف المراحل الدراسية بغية معرفة الجيل الجديد لحقوقه وعدم التفريط بها أو السماح للآخرين بمصادرتها تحت أي سبب كان . وبما أن العراق من الدول التي تعترف بهذا الاعلان دستورياً وقانونياً، إلاّ إننا نجد ثمة من يحاول الانتقاص من ذلك عبر محاولتهم مصادرة حرية الآخرين ، فإن ذلك يعني في ما يعنيه محاولة القفز على المواطن وحقوقه وسلبه إياها ومحاولة إرجاع العراق إلى عهد الظلام والدكتاتورية البغيضة. لهذا فإن مصادفة الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الانسان مع جملة من الخروقات ، تجعلنا أمام حالة سلبية يجب معالجتها بسرعة حتى لا تتحول إلى عرف وربما قانون يتعارض بشكل كبير مع الدستور والمواثيق الدولية .
من يصادر حرية الرأي ؟
نشر في: 8 ديسمبر, 2010: 04:34 م