TOP

جريدة المدى > كلام اليوم > تفكير فوق.. وتفكير تحت

تفكير فوق.. وتفكير تحت

نشر في: 8 ديسمبر, 2010: 08:33 م

المدىأكثر من تجربة مرت خلال السنوات السبع المنصرمة، وهي العمر الغض لديمقراطية تريد أن تنمو في ظروف غير ملائمة، أثبتت أن مشكلات خطيرة تواجه هذا النمو، وكانت (المدى) في مناسبات عديدة قد أشارت إلى جوهر تلك المشكلات.موقف مجلس محافظة بغداد من المطاعم والنوادي الليلية هو مظهر من مظاهر سابقة تكررت كثيرا.. كان بعض تلك المظاهر قد حسب على جماعات القاعدة ومجاميع العنف والتطرف،
من مثل استهداف الحلاقين والشباب ذوي القصات الغريبة ومنع حيازة السكائر وتعاطيها ومعاقبة شبان آخرين على نوع أزيائهم واكسسواراتهم واستهداف مقاهي وتجمعات الشبان.. وتعامل المجتمع مع تلك الممارسات باستهجان وتحد ورفض، وكانت هذه الممارسات تحسب على أنها جزء من محاولات أعداء الحريات لإشاعة مناخ من الخوف والرعب، وبالتالي فهي شكل من أشكال كثيرة لتعويق الديمقراطية الناشئة وما تمنحه من حريات للناس، نتفق مع هذه الحريات أو لا نتفق، نستفيد منها أو لا نستفيد.. إنها جزء من حريات عامة، وبالتالي فليس ثمة مقاس واحد للحريات، ليس ثمة قبول وحاجة مطلقة لها، كما لا يجوز أن ترفض على وجه الإطلاق. فالديمقراطية نظام شراكة اجتماعية، والشراكة تلبي جوانب من متطلبات الجميع الذين يتنازلون عن جزء آخر من متطلباتهم حتى يتاح للشراكة أن تكون شراكة فعلية وليست عقدا قسريا يفرضه الأقوياء أو الأكثرية على الضعفاء أو الأقلية.لم يكن مهما أن تؤخذ تلك الممارسات في حسبان شركاء العملية السياسية.. إنها محاولات أعداء الديمقراطية لتخويف الناس وصدهم عن الانحياز إلى الخيار الديمقراطي.. لكن المهم هو المظاهر المتعسفة التي ظهرت من حين إلى آخر من داخل بعض شركاء العملية السياسية، وكان آخرها ما حدث في بابل والبصرة وأخيرا في بغداد، وهي مظاهر تدعو إلى تأمل جدي في مستقبل، ليس الحريات فقط، وإنما مجمل العملية الديمقراطية ما دام الفصل بين الحريات والديمقراطية أمرا مستحيلا. ولكن لا تأمل بلا أسئلة.وسيكون التساؤل الأكثر أهمية وخطورة هو: ما مدى الجدية الفعلية لكثير من قوانا السياسية في رفعها شعارات الديمقراطية واعتماد وسائل الديمقراطية في الصراع والتنافس والاختلاف السياسي، وما يتبعه من اختلافات عقائدية في أنظمة التفكير والعيش؟في مرات سابقة قلنا في (المدى) إن الديمقراطية لا يمكن أن يبنيها غير الديمقراطيين.. وكنا بهذا نريد التساؤل: هل أن هذه القوى، بعضها في الأقل، التي تعتمد آلية الانتخاب الديمقراطي للوصول إلى السلطة هي فعلا قوى ديمقراطية؟ المشاركة وحدها في الانتخابات لا تكفي لتأكيد ديمقراطية حزب أو حركة أو جماعة أو فرد.. وكنا قد أشرنا بوضوح في مرات سابقة إلى أن قوى صدامية ترفع بعض أجنحتها السلاح فيما تتكفل أجنحة أخرى بالسعي إلى الوصول إلى السلطة، من خلال البرلمان والعمل السياسي، إما لإعاقة العملية السياسية أو لتمتين جسورها على المدى البعيد لبلوغ السلطة والقبض عليها.. وكان هذا مثالا على أن الانتخابات يمكن أن تستل من سياقها الديمقراطي لتتحول إلى وسيلة لدحر الديمقراطية والارتداد عنها.لكن سوى هذا المثال الصدامي الذي من المفترض أن يكون الجميع متنبهين له، توجد أمثلة ومخاوف جدية من الطبيعة الشمولية لتفكير بعض قوى العملية السياسية التي وجدت نفسها فجأة أمام خيارات الديمقراطية وانتخاباتها، كوسيلة سهلة لبلوغ السلطة، من جانب وأمام نظام تفكير شمولي من جهة أخرى لا صلة له بالديمقراطية وحرياتها.وهنا نجد أنفسنا مضطرين مرة أخرى إلى الاستشهاد بما كنا قد نبهنا عليه في صفحات (المدى) وفي افتتاحياتها بشكل أخص. لقد طالبنا مرة بأهمية أن تطرح الأحزاب والقوى الراغبة في العملية السياسية الديمقراطية برامجها ودساتيرها إلى العلن، بحيث تفصح هذه البرامج بما يكفي عن أن هذه الأحزاب الراغبة بالخيار الديمقراطي هي أحزاب ديمقراطية ومؤمنة بقيم الديمقراطية والحريات، وأن الديمقراطية جزء من نسيج عملها داخل تنظيماتها وقواعدها مثلما هي فعلا على ألسنة وتصريحات قادتها. فلا يكفي أن تكون هناك قيادات ناضجة سياسيا وديمقراطيا بما تصرح به وتعمل عليه فيما هي تترك خلفها قيادات وسطية وقواعد متدربة فكريا وعمليا على نهج شمولي إقصائي واحدي يعتقد أن الحقيقة، والحقيقة كلها، هي ملكه، وان ما خلاه باطل.ومشكلة مجلس محافظة بغداد تفصح بشيء من الوضوح عن مثل هذه الإشكالية التي تتضارب فيها المواقف بين تفكير وعمل قيادات رفيعة في حزب ما وبين ما تفكر به وتسلكه قيادات أدنى في الحزب ذاته.. وبوضوح أكثر نقول أن المسافة كبيرة بين تفكير قيادات حزب الدعوة الإسلامية وبين النهج المتعسف الذي اختارته بعض مجالس المحافظات التي يقودها الحزب نفسه.وبوضوح أشد نتساءل: متى شهدت بغداد انفتاحا واسعا في مطاعمها ونواديها الليلية؟ أليس في فترة الولاية الأولى للسيد رئيس الوزراء المالكي؟ وبوضوح آخر نتساءل: ألم تكن معظم تلك النوادي محمية بقوات من عمليات بغداد ربما هي القوات ذاتها التي هاجمتها مؤخرا؟ندرك تماما أن رجلا مثل السيد المالكي، بتدينه، لا يحبذ أن يرى بغداد بنوادي للشرب والرقص، لكن، وبالخلفية الإسلامية المعتدلة التي عرف بها في سنوات حكمه، لم يشأ أن يمنع الناس بالإكراه والقسر، وربما هو مقتنع أن الديمقراطية توفر له ولزملائه فرصا أفضل للتبشير والدعوة إلى ما يؤمن به ويعتقد بصوابه، وبال

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل المراجعة في حياة حزب مناضل

هل المراجعة في حياة حزب مناضل "عيب"؟!

شهدت الحياة السياسية، خلال السنوات العشر من عمر "العراق الجديد"، تساقط آمالٍ وتمنيات، خسر تحت ثقلها العراقيون رهانهم على أحزاب وقوىً وشخصيات، عادت من المنافي ومن خطوط النشاط السري، ولم تلتزم بمواصلة سيرتها النضالية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram