لطفية الدليميالحكاية الشفاهية وجه من وجوه ثقافة الشعوب واحدى حوامل تراثها و قيمها ، تعمد كثير من الشعوب الى توثيق الحكايات باصوات الرواة المسنين والمحترفين وتعيد الاعتبار للموروث الشعبي باعتباره مرجعية ساحرة لمخيلة الصغار والكبار على حد سواء ،تلك المخيلة التي اضمحلت وضمرت امام غزو ثقافة الصورة ،فقد قضت التلفزة على قدرا ت
التخيل وهي تضعنا وجها لوجه امام رؤية المخرج للحكاية او القصة وتحرمنا من استخدام خيالنا لتصور الاحداث كما يحلو لنا حتى بات التلفزيون ديكتاتورا على المخيلة يفرض رؤية واحدة للنص ويبعد الصغار عن تحفيز مخيلاتهم واستلهام الكلمة بصور يختلقونها دون تدخل من احد ، كان الراديو في القرن العشرين بديل الراوية الشعبي وكانت الجدات اجمل راويات الحكايا مهدئات شغب الاطفال بسحر الروي وهن يروين الحكايات الخرافية ..rnفي المغرب ولبنان ومصر حراك ثقافي باتجاه اعادة الاعتبار للرواة الشفاهيين ففي المغرب تتبنى جمعية اهلية مهرجانا سنويا للرواة للحفاظ على الموروث والحكايات الشفاهية وتحتل مراكش مركز هذا الفن الشعبي اذ يجتمع كل ليلة عدد من الرواة الشفاهيين في ساحة جامع الفنا ليحكوا قصصهم للعابرين والسياح .وفي العراق كان هناك مسعى من مجلة التراث الشعبي لجمع الحكايات الشفاهية وتسجيلها صوتيا وتدوينها في الاقل وهي تحكى من قبل المسنين ولانعلم الى اين وصل هذا المسعى بعد الزلازل التي ضربت كل شيء في العراق منذ عقود وحتى يومنا هذا وتحولنا جميعا الى حكاية خرافية خلوا من السحر والجمال تروى بالدم والجثث في فضائيات العالم .اختراع الحقيقة كل يوم نيكولاس بوينافنتورا فيدال راوي حكايات رحال يلقي بقصصه بين احضان الغابات وعلى ضفاف الانهار وتمتزج اصداء حكاياته بهدير الموج وانهمار المطر ، يحمل في مخيلته وهجا من نيران الاساطير وخرافات الامم ويعيد تشكيل الاساطير على هواه ويشرك معه الجمهور في تخليق الحكاية وكل ليلة يقدم الحكاية بشكل مختلف عبر الارتجال الذي يعزز حيوية الحكاية بما يضيفه من رؤى جديدة وصور وكلمات مرتبطة بالواقع الإنساني المتحول .. تعلم نيكولاس بوينا فنتورا المخرج والكاتب و راوي الحكايات الكولومبي من تراث شعبه هذه المقولة (عليك اختراع الحقيقة كل يوم ) ومع انحداره من عائلة تضم عددا من الحكائين تعامل مع موهبته بتبجيل ودفء روحي كبير ، وهو يروي حكاياته على المسرح ذات يوم ادرك ان الجمهور الذي امامه قد نشأ وغادر الطفولة دون ان يحظى بسماع القصص ، كان جمهوره من اطفال الشوارع الذين لم يسمعوا قط بقصص تروى لهم قبل النوم ، الوقت منتصف الليل في (بوغوتا) وقد توهجت وجوه صبيان العصابات المشردين بأنوار الشارع الراجفة ، وادرك نيكولاس مقدار السعادة التي وهبهم اياها وهو يروي لهم حكاياته ، هم الذين اسماهم سكان المدن الكولومبية (قنافذ الشوارع) ..يخبرني نيكولاس ونحن جلوس في كافيه اورورا في جزر الكناري ، ان ملايين الاطفال الكولومبيين مشردون في الشوارع او منضوون في عصابات التسليب والدعارة والمخدرات وليس لديهم الوقت لسماع الحكايات غالبا فالمجتمع الكولومبي مجتمع قاس بخاصة الطبقة الارستقراطية الكولومبية التي اطلقت على هؤلاءالاطفال المنبوذين مصطلحاً لا إنسانياً وهو (استعمال لمرة واحدة) هؤلاء الصغار يستعملون لاغراض الجريمة والجنس و الاتجار بالمخدرات ويقتلون - يستعملون لمرة واحدة حسب في المدن الكبرى وفي بوغوتا خاصة ..يضيف نيكولاس : لقد جرح هذا التوصيف ضمائرالكتاب والمثقفين وانا منهم وهو مصطلح شائع في الاذاعات والصحف الكولومبية ، تصدت له منظمات انسانية دون جدوى ، اثرياء بلادي واثقون من خلودهم بينما يبقى الموت من حصة البؤساء والمشردين ،ازاء هذا التدهور الاخلاقي للنخب الارستقراطية والثرية في بلادي بدأت ابحث عن مفهوم الخلود الذي تستأثر به النخب وتدع الموت للاخرين وعثرت على فكرة الموت والخلود في ملحمة (كلكامش)التي اثارت عندي العديد من الاسئلة ولم اعثر على اجابات لها واحاول عن طريق الفن ، السينما والكتاب
ملحمة كلكامش وقصيدة الخليقة البابلية مصدر الهام لحكاياتي
نشر في: 10 ديسمبر, 2010: 05:16 م