TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > الهجرة المستحيلة..احـمــد الـسـودانــي ووقـائـعــه غـيــر الـســارة

الهجرة المستحيلة..احـمــد الـسـودانــي ووقـائـعــه غـيــر الـســارة

نشر في: 20 ديسمبر, 2010: 05:23 م

علي النجارالشرنقة هل تتحرر الحشرة، أية حشرة كانت، من ارث حاضنتها الأهم(الشرنقة). وإذا تحررت ظاهريا وانطلقت في رحاب كونها. من يحزر بالضبط ما الذي خلفه زمنها الشرنقي في ذاكرتها أو حتى في مسارات تحليقها. وان حسبنا الأمر عبثا، فهل هو عبث بشكل مطلق،
أم هو قابل لإعادة النبش في اثر مخلفاته ليس كجينات متوارثة. بل بما يسمح بمسح الأثر كسلوك مرتد لفضاء انغلاقه في حيز لا يترك للجسد من مجال للحركة ولا للحواس من يقظة إلا بعد انقضاء فترة اغفاءته التي هي جزء حيوي من أزمنة نضجه. هنا وبالنسبة لأعمال السوداني لا يهمنا إلا استرجاع هذا الأثر الغافي أو المستتر خلف غفوته الجبرية كمدخل لإشكالية بنائية أجساده المتفككة والمعادة تفكيكا لا بناء.هل الشرنقة زمن عدم أم بناء لزمن جديد؟ أم هي الزمن العراقي في دورة استحالته المعاصرة التي لا يبدو في الأفق انه سوف يرف له جناح. لقد تفككت بنيته الذاتية والتحتية وتشظت في مساحة كان من المفروض فيها أن تكون مشاعة للجميع. وان كنا نظن بأننا تعدينا ادوار استحالاتنا منذ أزمنة بعيدة. فما ذلك إلا وهم ما زلنا نكابر من اجل اكتساب قناعاته ولو بحدودها الدنيا. فلا الذي تعدى الخمسين عمرا منا ولا الذي تعدى الستين ومعظمهم من مخلفات الحروب أو السبعين وهم من مخلفات تداعيات الحرب الدراماتيكية  الأخيرة على ندرتهم، استطاعوا الانفكاك مما لحقهم من قشرة شرنقتهم التي لوثها غبار ومخلفات هذه أو تلك الحروب. وان كان احدهم دون رسما كما دونه احمد السوداني، لما كان الأمر يحمل بعضا من غرابته. لكن أن يدونه من لامس بعضا من مخلفات الأثر لا كله وبهذه الروح الفجائعية، فذلك أمر يدعونا إلى نبذ أمر حدوث المعجزات بل الأفضل لنا أن نبحث عن مسبباتها. زمن الشرنقة زمن سوي لحاضنها وزمن غير سوي لما عداه. وما دمنا كبشر خبرنا أزمنته عبر رحلة حياتنا العراقية وبدون معجزات أو حتى البحث عن مسبباتها، منذ منتصف النصف الثاني من القرن العشرين وما قبله أحيانا، ورضينا بها حصنا للذات المعرضة للانتهاك. ولكونها من أصعب الفترات التي يحجب فيها الجسد وتطرد الحركة. فإننا مع كل ذلك لا نعدم  تسلل وعي آخر إلى ذواتنا المحتجزة وعي مسترجع من مسارات مخلفاته المدروسة، تسلل إلى ذهننا مزيحا بعض الشيء جدران شرنقتنا وواهبنا  حياة كانت مؤجلة وسط ظلماتها. وان تحررنا من هذه الظلمات بفضل ما وهبنا من نور الحياة وضوء الشمس. إلا أن لعنة الغاز الحجز الأول لا تزال ملتصقة بقشرة أدمغتنا بل حتى في نخاع عظامنا.  في هذا الزمن المتشرنق حيث الانغلاق دفئاً وأمانا، الزمن ـ اللازمن لا بد فيه من أن تتماسك جزيئات الذات وتنمو وسائلها الأكثر حيوية في البحث عن الانعتاق ومناورة مصائرها الفضائية. لكن الانغلاق وكعتمة مفزوعة بالضجيج الآتي من الخارج انتهاكا لحرمة وحدته ليس له سوى الهذيان ما يبقيه مستقرا لاستيقاظ الروح على وقع إيحاء ألغازها، الهذيان وحده ما سيقترحه السوداني، لكنه هذيان عضوي حيث أعضاء الجسد وأجزاء المكان هي التي تصرح بما خبأه انغلاق الروح في شرنقته الأولى. مع ذلك فان ما تتنبأ به تفاصيله يتعدى  كل الأحلام أو الأوهام الفنتازية فصخب الخارج وضجيج المفخخات هي التي صنعت تفاصيله البارزة. كل الشرانق آيلة للزوال، ليس عدما، بل تحررا للذات من محبسها الضروري والاضطراري. تتصدع الجدران وتتناثر شظايا. وتتصدع الجدران في رسومات السوداني، لكنها لا تتناثر هباء، بل من اجل أن تحجز أمكنتها احيازا لتتشظى الأجساد على امتداد سطوحها، ولا فضاء خارجها. وتتصدع الأجساد أيضا بحثا عن بعض أعضائها التي أغفلتها فرشاة الرسم. فهل المصائر اغفال كما تؤكدها الحوادث التي استقى منها الرسام تفاصيل وقائعه المتخيلة. وهل تظل هذه الحوادث كدرا يؤرقه مادامت لا تؤرق صانعي القرار صغارا وكبارا ومن مختلف الملل والنحل والمصالح داخلها وخارجها. وهل الفنان ضمير الأمة كما تعلمناه منذ الصغر. ربما فقه السوداني كل ذلك. وربما فقهته الصدمة. ومعظمنا مصدومون. واني أميل إلى ذلك فارث هذا الفنان الشاب منبعث من حوادث زمنه المعاصر لا من اطروحات ماضوية. وزمننا المعاصر تتحكم فيه صوره ، والصدمة إن كانت ذاتية فغالبا ما تتحول إلى صور. وفنان مثل احمد السوداني تدرب على إتقان فنه الصوري لابد له من أن يدمج الصورة والصدمة الذاتية للصور العراقية المعاصرة. انه حقا فنان من هذا الزمان.كمقاربات، تحال رسوم السوداني إلى كل من جيرنيكا بيكاسو وهلوسات غويا وشخوص بيكون(وكما ذهب أكثر من ناقد). ضمن هذه المجموعة المختارة من ارث الألم الإنساني المجسد، يتعذر علينا أن لا نقبل هذه الإحالة، وان نتقبلها في نفس الوقت. فمن حيث المغزى فان الهيئات العامة، هي التي تشير إلى ذلك. ومن ناحية أخرى هي أيضا لا تنتمي إليها كليا. بل تنتمي لعالم أكثر معاصرة، وبالضبط للوجه المرعب الخفي من هذا العالم وبتشخيصية ابعد من نمطية أعمال هؤلاء الرواد. فلا صرامة أشكال بيكاسو متوفرة في رسومه، ولا اهتزازات أجساد بيكون وشبحيتها،ولا معقولية كويا الفنتازية. أنها الحرب الكونية المعاصرة حيث يختفي مظهر السلاح تاركا الأجساد منص

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram