اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > الأورفلي وحي طارق مستودعان لصهر النحاس وتهريبه إلى دول الجوار!

الأورفلي وحي طارق مستودعان لصهر النحاس وتهريبه إلى دول الجوار!

نشر في: 9 أكتوبر, 2012: 06:08 م

 بغداد/ إيناس طارق.. عدسة/ محمود رؤوف
لو جازفت وقمت برحلة إلى أطراف بغداد وخاصة الشمال الشرقي  لرأيت العجب، مناظر ترجع بذاكرتك للقرون الماضية ليس لها أي ربط بالألفية الثالثة حيث هي حكاية تمتزج فيها الغرابة وإشكاليات الوعي والتخلف في آن واحد، بيوت من طين والصفيح، وتلال من النفايات هذه سمة احد أحياء بغداد الفقيرة "حي طارق".. روائح كريهة تصدر عن هذه النفايات والازبال التي رسمت حدود وخارطة الحي... لا احد يستطيع تجاوزها! مافيات تقسم الأراضي الفارغة التي تعود - كما يقال - ملكيتها إلى الدولة.
بداية الرحلة
بعد أن تجاوزنا بالسيارة التي تقلنا الطرق الوعرة والمطبات والحفر لنصل إلى سكان هذا الحي، انتابنا نوع من القلق والخوف من هول المنظر المخيف الذي رأيناه! أعمدة الدخان تتصاعد كلما اقتربنا من البيوت التي بنيت بشكل عشوائي وسط أكوام نفايات وأنقاض تتجول حولها كلاب سائبة.
ترجلنا من العجلة لأنه أصبح من المستحيل قيادة سيارة وسط هذه الطرق، امرأة تقترب منا وهي تلوح بيدها التي كانت تحمل بها فأس حديديا وسألتنا هل نقوم بتوزيع مبالغ مالية؟ أجبناها: كلا.  قالت ماذا تفعلون هنا وجلست على الأرض وأخذت قطعة من الطابوق وبدأت تنظيفه "بتقشيطه"من بقايا السمنت المتلاصق، تحدثت أم كرار: كنت احسب أنني اليوم لا اعمل وسوف احصل على مبلغ من المال يساعدني في توفير قوت عائلتي، فلم يأت احد لشراء الطابوق والوقت أصبح ظهرا، تركناها تسرد حكايتها: هناك مقاولون يبيعون أراضي الدولة، يقال مع الزمن سوف تعود ملكيتها لنا. وأم كرار مهجرة من منطقة أبو غريب بعد أن قتل زوجها وترك بعهدتها 6 أطفال أكبرهم كرار وهو مصاب بمرض مزمن بالكلى، وتعيش معها زوجة أخيها وأطفالها الخمسة وهي الأخرى زوجها أيضا قتل في منطقة الحسينية.

مقاولون
تقاسموا أرض الوطن
بنت جدران البيت  من طابوق أنقاض البناء الذي تأتي السيارات وترميه  في الأراضي الفارغة، لكننها استطاعت شراء قطعة ارض مساحتها 100 متر من "مقاول"  تخشى ذكر اسمه كما تقول! اخبرنا بأنه لا احد يسكن هنا إلا بعد موافقته، دفعت له 2 مليون دينار على شكل دفعات، حيث كنت أبيع الطابوق كل 5000 طابوقة بسعر 10 آلاف دينار، وأحيانا لا اجني شيئاً فيكون غذاؤنا بقايا الأطعمة من النفايات المرمية بالقرب من دارنا. المقاول قام  بسحب كهرباء لنا من منطقة الأورفلي بعد أن نصب أعمدة في الحي لكثرة الأراضي التي قام ببيعها هو وكثير من المقاولين يقسمون الأراضي، ويعلم كل واحد منهم حصته، بعد ذلك نهضت أم كرار وقالت لماذا لا تأتون معي إلى البيت لرؤية حال ابني كرار وأطفال أخي، وقبل أن نسير مسافة 10 أمتار ووسط النفايات وخلف الدخان الأسود، لوّح لنا شباب صغار يتحركون بسرعة ويعرضون وجوههم "المزرقّة" وكأنها وجوه أموات قضوا نحبهم (غرقا)  إلى النار المرتفعة من داخل أحواض حديدية صلدة، أم كرار قالت لا تذهبوا إليهم إنهم ناس خطرون ولا يستطيع احد التكلم معهم وهم يملكون أسلحة، وكلما تأتي سيارات الشرطة أو الجيش يدفعون لهم المال ويتركوهم، لكن فضولنا الصحفي كان أقوى من أن يتلف الخطر رغبتنا في معرفة هذا اللغز!
شباب أموات وهم أحياء
استأذنا من أم كرار التي عادت تعمل من جديد في تنظيف قطع الطابوق، وتوجهنا إليهم بعد أن تطلب الأمر صعود منحدرات ترابية للوصول إليهم، استقبلتنا موجة من الحر والدخان الأسود بمجرد أن اقتربنا من هؤلاء الشباب، وجوههم مخفية بقطع من الخرق البالية وعيونهم مخيفة من شدة احمرارها، احدهم يدعى حميد كان أول من عرف نفسه وقال: نحن نعمل في تذويب وصهر النحاس ونتيجة عملي أصبت بمرض السل، وكشف عن وجهه كان مخيفا، شفتاه زرقاوان، وبالكاد يكسي الجلد عظامه، ونبرة صوته خشنة جدا قال: لو وجدنا عملا غير هذا لعملنا به، نحن نعلم أن الموت سوف يلف أجسادنا عن قريب لكن ماذا نفعل أجورنا تبلغ 50 ألف دينار عن مدة 12 ساعة عمل متواصلة.
شباب الكور
"الكورة" والدخان المتصاعد غطيا أمعاءنا وحياتنا بغشاء اسود. زميل حميد كان مستاءً جدا وهو يتحدث معنا حيث قال "انتم الإعلام تأتون هنا وتعرضون عملنا وتتركون مأساتنا، نحن نرى الموت ألف مرة في اليوم، فالكورة لا تضمن الحياة لنا على العكس دائما ما تنفجر ويتعرض الكثير منا إلى الحرق الذي يعلن تقاعده المبكر والجلوس في البيت أو التسكع في الشوارع للاستجداء بعد تعرضه للحرق، حميد تدخل بالحديث وقال: إن أصحاب هذه الكور يملكون السلطة وهم أغنياء جدا ويجهزونا بالسلاح خوفا من تعرضنا إلى هجوم من قبل القوات الأمنية التي عبر عنها احد العاملين هناك "الأصدقاء" وأطلقوا ضحكة جماعية ! كانت حسرات وآهات عديدة يتبادلها شباب الكورة المخيفة فالنار المنبعثة منها تشبه البركان لم نر مثل هذا المنظر من قبل ، فجأة صرخ الشباب الذين يتجاوز عددهم الثلاثين: تعالوا ليعلن حالة التأهب، لرمي الأسلاك النحاسية في الكورة، وكان عددها اثنين، كان فريقنا الصحفي مذهولا من هول المنظر البركاني وهم يطلبون منا الرحيل خوفا من انفجار إحدى الكور، فلا احد يعلم متى تصب غضبها على من حولها، أسلاك النحاس ترمى بالتناوب من قبل الشباب والذي علمنا انه يستخرج من كيبلات الكهرباء وماطورات الماء والمبردات.
اثنان من الشباب لا يتجاوز عمرهما الـ18 عاما يقومان بغلق الكورة بدفة تشبه "دفة السفينة"، كان الوقت اقل من خمس دقائق وفتحت بواب الكورة العليا وبدأ الشباب بصب النحاس المنصهر الأحمر من مجرى شق من وسطها، في أواني حديدية يحملونها بأطراف مقابض صنعت من الحديد وتصب في قوالب صفت بشكل منظم تجاوز عددها 20 قالباً، وأثناء هذا الوقت وبينما كنا نسمع شكاوى ومآسي الشباب توقفت سيارتا حمل بيك آب ترجل من السيارة التي توقفت في البدء رجل في عقد الثلاثين وهمس بأذن احد الشباب ونظر إلينا نظرة غضب وتكلم بصوت عالٍ "شعدكم هنا روحوا هذا شغل بالمليارات" وأدار وجهه عنا!
قوالب البارد
النحاس الأصفر البارد الذي اخرج بوقت سابق من القوالب يحمل بالسيارات، والشباب يطلب منا الرحيل كما يقولون أفضل للجميع!
نزلنا من التل ونحن ننظر إلى أشجار النخيل التي أصبح لون سعفها اسود من شدة الدخان المتصاعد من الكورة ! بحثنا عن أم كرار التي كانت قد ذهبت إلى بيتها لتناول وجبة الغداء هذا ما اخبرنا به أبو صادق الذي جاء يحمل بيده مجموعة من الأوراق تبين في ما بعد أنها تقارير طبية لأولاده الثلاثة المعوقين، طلبنا منه أن نراهم، ذهبنا إلى بيته المشيد وسط أكوام النفايات لم يكن بيتا كبقية البيوت إنما كوخاً إن صح التعبير، ابنته (س) تبلغ من العمر 12 عاما، وابنه احمد 16 سنة، وحيدر 10 مصابون بمرض ضمور العضلات، جميعهم أصيبوا في سنة واحدة نتيجة الدخان المتسرب من الكورة وقد شخص ذلك الأطباء وطالبوا العائلة بالرحيل عن هذا المكان وإلا أصيبوا بأمراض سرطانية، حيث لا يبعد بيتهم المشيد من البلوك والمسقف ببعض قطع الأقمشة البالية سوى مسافة 20 مترا عن الكورة.
الأمر محزن ومخيف... عائلة بكاملها تواجه الموت، شيب وشباب يصابون بالأمراض الانتقالية المعدية، في أغنى بلد. لم تكن باليد حيلة غير أن ننقل ما رأينا إلى مسؤولينا الموقرين في محافظة بغداد ومجلس المحافظة، وقبل ان نودع العوائل التي تجمهرت حولنا لعرض مأساتها قال رجل مسن كان يتوكأ على عصا ويجلس على تل من أنقاض طابوق ويقلب بعصاه القمامة: ابحث عن قناني الدواء الفارغة لان ابني يبيعها ويحصل على نقود يسد بها حاجاتنا، فنحن نحمل الجنسية نفسها التي يحملها المسؤولون والبرلمانيون، وقد عانينا في زمن النظام المباد واليوم!! معاناتنا مع الماء الذي نشرب وفي الهواء الذي نتنفس مع انعدام الخدمات وحتى طعامنا نجيء به من النفايات.
المجلس البلدي
ودّعنا حي طارق على أمل العودة من جديد، ونراه حيا خاليا من الكورة والنفايات، وشبابه يلبسون ملابس نظيفة، وأطفاله يحملون حقائبهم للذهاب إلى المدرسة. وبطريق العودة اضطررنا التوقف في حي الأورفلي لكثرة الطلاب الصغار الذين يرومون عبور الشارع الرئيس للذهاب إلى مدارسهم. وكأن الأمر يبدو مظاهرة لكثرة الأهالي والطلاب وتوقف السيارات، ترجلنا من السيارة وسألنا عما يحدث علمنا أن هذه البناية الصغيرة والتي لا يتجاوز عدد صفوفها الـ(10) تستقبل المئات من الطلاب في آن واحد!! عجيب غريب ما يحدث... توجهنا الى المجلس البلدي لمنطقة الصدر لمقابلة كامل خنجر رئيس المجلس البلدي للمدينة، والذي كان متعاونا معنا في الحصول على الإجابة رغم عدم وجود موعد مسبق معه.
100 طالب في كل صف
الكورة والمدارس وانتشار البيوت العشوائية والعديد من التساؤلات طرحناها على خنجر، لكن فضلنا أول شيء أن يكون الحديث عن المدارس، فحال التلاميذ الصغار كان مؤلما وهم يتزاحمون للدخول الى مدرسة "ابن الكفل" التي تضم ثلاث مدارس. إجابة خنجر كانت في بداية الحديث هو عرضه كتاب برقم 6851 بتاريخ 18/3/2012 معنون إلى رئيس مجلس محافظة بغداد لمخاطبة وزير التربية من اجل تحديد موعد لقاء مع رئيس المجلس البلدي لقاطع مدينة الصدر من اجل توضح ومعالجة واقع المدارس في المدينة، قبل بدء العام الدراسي الجديد لكن لم تحصل حسب تأكيد خنجر أية حلول، وبدأ العام الدراسي الجديد لسنة 2012  و47 مدرسة ما تزال قيد الإعمار أو متروكة بسبب توقف العمل فيها بسبب أمور مالية تتعلق بمستحقات المقاول. واضاف خنجر في حديثه قائلاً: هل يمكن تصور أن دولة تأتي بصفوف "صب كونكريتي" من عمان عن طريق شركة الفاو المختلطة بدلا من صنعها في العراق، لماذا لا تصنع هذه الصفوف من قبل الشركة نفسها، وتابع خنجر أن هناك 18 مدرسة محالة إلى شركة إيرانية مدة التنفيذ 6 أشهر ومضت 4 سنوات وهي متروكة على حالها، المجلس البلدي خاطب عدة مرات مديرية الأبنية المدرسية ولجنة التربية والتعليم في مجلس النواب،  ولم يأت جواب "ان وزير التربية الحالي هو المقصر" لأننا  وجهنا كتباً عدة نطلب فيها  مقابلة وزير التربية دون جدوى، اقترحنا أن يأتي وزير التربية إلى مدينة الصدر مقابل 10 رجال يبقون رهائن في التربية، وإذا تعرض الوزير إلى خطر فليُذبحوا!  نريد أن نحل مشكلة المدارس لان 100 طالب في كل صف يجلسون على الأرض! حاولنا أن نجد أراضي نشتريها ونبنيها لكن دون جدوى فالمدينة تحتاج الى 1500 مدرسة بسبب الكثافة السكانية البالغة ثلاثة وخمسمائة مليون نسمة، وأكد خنجر أننا نستطيع الذهاب وبشكل مفاجئ إلى أي مدرسة لرؤية حال الطلاب وأننا سوف نرى العجب.
المجلس والكورة
الأمر الآخر الذي تحدث عنه خنجر كان عن "الكور" حيث قال إنها ليست في حي طارق فحسب، بل توجد كور في منطقة الأورفلي، حيث بدأنا نشم قبل فترة قصيرة روائح غريبة ودخانا اسود أثناء الليل، وعندما بحثنا وجدنا أن شخصا قام بتأجير بيت ويحرق النحاس ليلا، ونتيجة ذلك أصيب الجيران بأمراض سرطانية.
وأوضح خنجر في حديثه قائلاً: بكل صراحة هناك عشرات الكور ويقف خلفها ناس لهم سلطة في الحكومة وعندما قاطعنا حديث خنجر بسؤال؟ انتم كمجلس بلدي لماذا لا تقومون بدوركم  في القضاء على الكور؟ قال: سوف اختزل كلامي بهذه الجملة "أتمنى من الناس الوطنيين أن يبكوا على العراق ويخافوا من الله".
وبيّن خنجر انه توجد بالأورفلي أطنان من الصفر الذي يهرب كل يوم إلى الدول المجاورة مثل إيران وتركيا وتعاد إلى العراق بالرغم من أننا نملك معمل الحديد والصلب في البصرة، ونستطيع إعادة تصنيعه وهو يعتبر أغلى من النفط واستدرك خنجر في حديثه قائلاً:"هناك وزير وأقوى من وزير وراء عمليات صهر النحاس وتهريبه وإعادته على شكل بضائع إلى العراق"!
وأخيرا أكد خنجر ان من يقوم ببيع الأراضي التابعة للحكومة هم ناس يملكون السلاح ولا يستطيع احد إيقافهم فهم حسب تعبيره "يسندهم ناس كبار في الدولة".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. غادة عبد الواحد

    في اول الكلام اوجه تحيةكبيرة الى الصحفية ايناس لتصويرها المشهد بدقة ومهنية عالية فقد تطرق التحقيق الى اكثر من قضية تمثل مشاكل حقيقية ويومية على مر العشر سنوات الماضية دون اي حلول من حكومتنا ونوابنا الاعزاء الذي اغلبهم هن المافيات وتجار السلاح والتهريب وا

يحدث الآن

طقس العراق.. أجواء صحوة وانخفاض في دراجات الحرارة

أسعار صرف الدولار تستقر في بغداد

تنفيذ أوامر قبض بحق موظفين في كهرباء واسط لاختلاسهما مبالغ مالية

إطلاق تطبيق إلكتروني لمتقاعدي العراق

"في 24 ساعة".. حملة كامالا هاريس تجمع 81 مليون دولار

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram