TOP

جريدة المدى > الصفحة الأولى > فــــارزة :وزارة للآداب العامة

فــــارزة :وزارة للآداب العامة

نشر في: 24 ديسمبر, 2010: 08:46 م

 علي حسين ضاعت المشاكل الحقيقية للمثقفين في صخب وضجيج أكذوبة الحفاظ على الآداب العامة، حين  يحاول البعض أن يجعلها القضية ذات الاهتمام التي تجذب الرأي العام بعيدا عن جوهر المعركة الحقيقية.أستغرب - مثلاً- وأنا اقرأ برنامج الحكومة  الجديدة، أن يضع القائمون عليه فقرة غريبة وعجيبة تتعلق بالآداب العامة فقد جاء في الفقرة 34 من البرنامج الحكومي التأكيد على "حماية المجتمع العراقي من الممارسات التي تتعارض مع الدستور وقيمه الدينية
والآداب العامة التي عرف بها المجتمع العراقي وتفعيل القوانين النافذة لمواجهة أي خرق في هذا المجال." أما ما هي الآداب العامة التي عرف بها المجتمع؟ فلم يخبرنا أحد بذلك، أما القوانين النافذة فهي حتما قوانين صدام التي شرعها أثناء ارتدائه ثياب الحملة الإيمانية.. ولأن واضعي هذه الفقرة لم يوضحوا لنا كيف كان المجتمع العراقي،  فسأحيلهم إلى كتاب عباس بغدادي "بغداد في العشرينات" وأيضا إلى كتاب "بغداد كما عرفتها" لشيخ بغداد أمين المميز، ولكتاب رحلة إلى بلاد النهرين الذي ترجمه العلامة فؤاد جميل، والى كتابات جلال الحنفي وعبد الرحمن التكريتي وعزيز الحجية، والى ما كتبه مؤرخو البصرة وميسان وبابل والناصرية والموصل.أتمنى عليهم قراءة كتاب "قلب العراق" لأمين الريحاني، وأتمنى عليهم أن يقرأوا سيرة العلامة الشيخ محمد رضا الشبيبي وزير المعارف في العهد الملكي، فقد انحاز الشيخ وهو من عائلة دينية معروفة ويلبس العمامة إلى ما ينفع البلاد مِن التَّطور والرُّقي، فلم يكن يتعصب ضد تعليم أو عمل المرأة، ولا اصدر فتوى للأخلاق العامة، يقول المؤرخ  مير بصري: "كنِّا سنة 1946 في حفلة تخرج لمدرسة ثانوية البنات، فقال الشَّيخ محمد رضا الشِّبيبي، وكنت جالساً إلى جانبه، نرى المدرسات والفتيات سافرات يجئنَّ ويرحنَ ويخطبنَ على المنبر ثم تظهر واحدة منهن تغني  فقال لي: هل ترى تقدم الحركة النِّسوية في جيل واحد أو أقل مِنْ جيل في بلادنا! لقد كنتُ وزيراً للمعارف سنة 1924، أي قبل عشرين عاماً فقط، وقد فتحنا مدارس رسمية لتعليم البنات، واستقدمنا المدرسات مِنْ لبنان وغير لبنان، لكنه لم يكن في وسعي أن أزور مدرسة مِنْ تلك المدارس، وترانا اليوم نحضر الحفلات، ونشهد تقدماً لا مثيل له، هذا هو البلد الذي نسعى إلى أن يتطور ويزدهر، "وهذا هو المجتمع العراقي الذي عرف بسماحة أهله وطيبتهم وحبهم للحياة. يكتب المؤرخ الانكليزي ديزموند ستيوارت الذي عاش فترة من الزمن في بغداد وعمل مدرسا في دار المعلمين العالية في الخمسينيات "عرفت بغداد على أنها أهم مركز لنشر العلم والثقافة، ويأتي تطور بغداد قي مضمار الثقافة نتيجة لوعي أبنائها ومثابرتهم وحبهم للعلم والحياة، ففي أماسي بغداد يمكنك أن تسمع كل شيء، السياسة والثقافة والغناء".فيا لها من مفارقة غريبة فهذا البلد الذي يحتاج إلى التنمية والبناء والى إعادة الحياة إلى مدنه التي دمرتها الحروب، يقف البعض من ساسته اليوم  ليلقوا على الناس خطبا عن الأخلاق والآداب العامة، متجاوزين انتهاكات السياسيين  والفساد المالي والإداري الذي استفحل في عموم مؤسسات الدولة، ولعل المفارقة الأكبر أن المنهاج الحكومي يصف المرأة بأنها نصف المجتمع الفاعل ويشيد بدورها بينما تستنكف الحكومة ان تمنح المرأة منصبا وزاريا فاعلا، والمنهاج نفسه يفرد للثقافة والمثقفين بابا ويدعو إلى دعمهم  لكنه يضرب عرض الحائط بكل مطالب المثقفين ويضع على رأس وزارة الثقافة عسكري سابق.الناس على شفا العوز والفقر، والحكومة تصر على أن تبيع لهم شعارات صدام، البلاد يترصدها الإرهابيون وتعاني نقص الخدمات والبطالة، وأزمة سكن مستعصية، والحكومة مشغولة بسن قانون يحمي الآداب العامة، وكأن العراقيين يعانون من تفشي الرذيلة وانحلال الأخلاق، ناسين أنهم يعانون تفشي الرشوة والمحسوبية، وانحسار ميادين الاستفادة من الكفاءات العلمية.ذكرني إصرار الحكومة وبعض المسؤولين على مفردة "الآداب العامة" بما قام به أمير المسلمين الرئيس السوداني عمر البشير حين وقف يرد على احتجاجات المنظمات المدنية على حادثة جلد امرأة سودانية بميدان عام من قبل الشرطة فقد قال بالحرف الواحد :"البعض يتحدث عن الفتاة التي جلدت وفق حدود الله والذين يقولون إنهم خجلوا من هذا عليهم أن يغتسلوا ويصلوا ركعتين ويعودوا إلى الإسلام"، أكثر ما أخشاه أن يخرج علينا مسؤول عراقي يهددنا بالجلد إن لم نعد إلى طريق الصواب، ولكني قبل ذلك أتمنى على الحكومة أن تنشئ وزارة دولة للآداب العامة، وان تضع على رأسها رجل لا يعرف عن العراقيين شيئا سوى أنهم قوم خارجون على الآداب العامة. اللهم احمنا من سوط بعض المسؤولين والسياسيين ومن شعاراتهم  التي ملأت حياتنا بالإحباط واليأس.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

دولة القانون ينفي السعي لتشكيل حلف مع إيران وروسيا

دولة القانون ينفي السعي لتشكيل حلف مع إيران وروسيا

 بغداد/ وائل نعمة فيما ينتظر الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد عودة رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي من موسكو لزيارة بغداد، ينفي ائتلاف دولة القانون أن تكون زيارة المالكي إلى العاصمة الروسية والزيارة المرتقبة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram