TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > فـي بورما التعيسة.. لا يزال الوضع على ما هو عليه

فـي بورما التعيسة.. لا يزال الوضع على ما هو عليه

نشر في: 25 ديسمبر, 2010: 04:53 م

د. عبد الله المدنيانتهت الانتخابات العامة في بورما في السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، من بعد عمليات تأجيل وتسويف طويلة، فحقق فيها "حزب اتحاد التضامن والتنمية" المدعوم من الطغمة العسكرية الحاكمة بقيادة الجنرال "تان شوي" انتصاراً ساحقاً عبر وسائل التزوير والضغط على الناخبين وتخويفهم، وذلك رغم كل المناشدات الدولية والأممية بضرورة التزام النزاهة والشفافية.وقد تمثل انتصار  الحزب المذكور ومن ورائه العسكر بسيطرتهم على 330 مقعدا من مقاعد مجلس الشعب،
إضافة إلى نسبة الـ 25 بالمئة المخصصة، بحسب الدستور، لرموز المؤسسة العسكرية. وكانت هذه النتائج المزرية متوقعة، ليس فقط بسبب سيطرة العسكر على مفاصل الحياة في بورما، وإنما أيضاً بسبب دعوة "الرابطة الوطنية للديمقراطية" بقيادة السيدة "أونغ سان سوشي"، والتي كانت قد فازت فوزاً ساحقاً في انتخابات عام 1990 ، قبل أن يبطل العسكر نتائجها في العام ذاته، لأنصارها بمقاطعة الانتخابات بحجة عدم شفافيتها من جهة، وضغوط السلطة العسكرية على أكثر من 800 ألف ناخب من موظفيها الرسميين وجنودها للاقتراع لمرشحيها دون غيرهم. فضلا عن النزاعات الأهلية الجارية منذ عقود في أرجاء واسعة من البلاد بسبب التمييز العرقي. تلك النزاعات التي تتجسد بأفضل صورها في الحرب التي تخوضها أكبر الأقليات الإثنية حجما والمعروفة باسم "كارين" والتي ظلت ميليشياتها تقاتل الحكومة المركزية في رانغون طوال العقود الستة الماضية من أجل الانفصال في كيان مستقل. ومن الأسباب الأخرى التي دفعت القوى الديمقراطية المناهضة لديكتاتورية العسكر – باستثناء القليل منها – لمقاطعة انتخابات نوفمبر، الدستور الذي أقرته الحكومة قبل نحو عامين، والذي أنتقده المجتمع الدولي بقوة بسبب منحه صلاحيات واسعة للعسكر، بل ونصه صراحة على أن يكون زعيم البلاد من مؤسسة الجيش، مع منحه حق إلغاء البرلمان إذا ما شعر بأن الأخير يهدد أمن البلاد واستقراره.بـُعيد انتهاء الانتخابات المذكورة، عمد عسكر بورما إلى إطلاق سراح زعيمة المعارضة وابنة بطل الاستقلال والفائزة بجائزة نوبل للسلام السيدة "أونغ سان سوشي" من معتقلها المنزلي الذي قضت فيه 15 عاماً من أصل 21 عاما بموجب حكم قضائي ظالم. ولئن أثارت هذه الخطوة فرحة عارمة في الداخل والخارج، فإنه سرعان ما تبين أن الخطوة لم تكن بدواعي إشاعة الديمقراطية أو المصالحة الوطنية، أو إخراج البلاد من مآزقها المتراكمة، وإنما فقط من أجل تحسين الصورة البائسة للمؤسسة العسكرية الحاكمة أمام الرأي العام العالمي.إن إطالة أمد بقاء الطغمة العسكرية البورمية في السلطة، وبالتالي حرمان البورميين من تنفس رياح الحرية، وحرمان بلادهم من أن تتبوأ المكانة اللائقة بها بين شريكاتها في منظومة "آسيان"، خصوصاً وإن لها شبه تجربة ديمقراطية ناجحة، ونعني بذلك التجربة التي تأسست مباشرة بعد إستقلالها في عام 1947 ، حينما أجريت أول انتخابات تعددية حرة، وتشكلت أول حكومة وطنية مدنية بقيادة الراحل "أونو"، الذي سرعان ما برز على الساحة الدولية كأحد مؤسسي حركة عدم الانحياز، قبل أن يقوم جنرال أحمق غبي يدعى "ني وين" بانقلاب عسكري، ويؤسس نظاما اشتراكياً مشوّها، كنتيجة لهوسه ومحاولاته الفاشلة لدمج النظريات الماركسية مع التعاليم البوذية. نقول أن إطالة أمد بقاء العسكر البورمي في السلطة تتحملها دولتان آسيويتان كبيرتان هما الصين والهند.. وقد يستغرب القارئ كيف لدولة ديمقراطية كبرى كالهند أن تصمت أو تمدّ عسكر بورما بأسباب الحياة؟ غير أن الاستغراب يزول حينما نعلم أن الهند لم تفعل ما فعلته إلا لأن منافستها الكبرى، أي الصين، سبقتها إلى ذلك عبر تعزيز نفوذها في هذا البلد ذي الموقع الستراتيجي الحساس لكليهما بسبب قربه الجغرافي منهما، ناهيك عن إطلالة سواحله على مياه المحيط الهندي التي تمر بها التجارتان الصينية والهندية، وتسير فوقها الناقلات الضخمة الحاملة وارداتهما النفطية من دول الخليج العربية وإيران.إن أهمية موقع بورما الستراتيجي لهذين القطبين الآسيويين المتنافسين تشبه أهمية موقع سريلانكا بالنسبة إليهما، بل وتزيد. لكن على حين حسمت بكين الموقف في الأخيرة لصالحها في السنة الماضية عبر الإمدادات العسكرية الضخمة لحكومة كولومبو، بما مكّن جيش الأخيرة من القضاء قضاء مبرماً على حركة نمور التاميل الانفصالية من بعد حرب ضروس استغرقت نحو ربع قرن. تلك الإمدادات التي ردّت عليها كولومبو بفتح أبوابها على مصراعيها أمام الاستثمارات الصينية، والترحيب بتواجد الخبراء والفنيين الصينيين على أراضيها للمساعدة في إنجاز العديد من مشاريع البنى التحتية، ولا سيما الموانئ والمطارات التي قد يستخدمها الصينيون لاحقا في إقامة قواعد أو الحصول على تسهيلات عسكرية لهم لمراقبة تحركات منافسيهم الهنود (على نحو ما فصلّناه في مقال سابق)، فإن الصراع الصيني – الهندي على بورما لم يحسم بعد، ولا يزال مستمراً على حساب حرية الشعب البورمي وطموحاته. على أن هناك بعض المؤشرات التي أفصحت عنها تسريبات "ويكيليكس" الأخيرة، والتي أفادت بأن بكين باتت متذمرة ليس فقط مما يقال حول دورها في بورما، وإنما أيضا بسبب فشل حلفائها في رانغون في إدارة البلاد بطريقة سليمة. والطريقة السليمة في رأي صناع القرار

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram