TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > روبيرتو بولانو: نجمة الشعر البعيدة

روبيرتو بولانو: نجمة الشعر البعيدة

نشر في: 1 يناير, 2011: 06:14 م

مصطفى ناصرصحيح أن أعمال الروائي التشيلي بولانو ذات طابع سياسي، لكنها بطريقة أو بأخرى مشبعة بالمشاعر الإنسانية التي تنأى بها عن أن تكون مجرد تقارير دوغماتية، فهي أعمال مشحونة بأسرار النفس البشرية التي تعاني من القهر ونوبات الجنون والشذوذ، إنها بشكل أو بآخر لا بد أن تذكرنا بدوستويفسكي. كان بولانو يكتب بأسلوب متفرد، يعمل وحده بلا رقيب، يسعى للاختراق، فلا عوائق تكبح تجاربه الإبداعية، وهو بعمله هذا قد ابتكر طريقته الخاصة في أن يصبح كاتباً عظيماً ينتمي لأمريكا اللاتينية.
عاش بولانو غريباً عن وطنه برفقة زوجته الاسبانية وطفليهما، كان يعتبرهم "وطنه الوحيد" كما صرّح في آخر مقابلة أجريت معه قبل وفاته. في قصصه غالباً ما تكون شخصياته روائيين أو شعراء يسعون بطموح لتحقيق أهدافهم، إنهم أبطال بطريقتهم الخاصة في مهاجمة المعتقدات البالية، وأحياناً يكونون من رجال التحري الأوغاد. تتضمن روايات بولانو تأملات عميقة في أسطورة الشعر، والعلاقة المتداخلة بين الشعر والجريمة، والعنف الذي لا مفرّ منه في الحياة الفوضوية الحديثة لمدن أمريكا اللاتينية، وانشغالات الإنسان في مرحلة الشباب، والحب، والموت، ومبادئ الجمال. يظهر في كتابات بولانو على الدوام انشغال عميق بطبيعة الأدب، والهدف منه وعلاقته الغنية بالحياة. في مواجهة حياة سياسية يسودها الاضطهاد، وانقلابات مفاجئة تنذر بالأخطار، يستمر الروائي بتذوق نكهة الكلمة وهو يشعر بنشوة لا حدود لها، فهذا بحد ذاته وفقاً لرأي بولانو مصدر للإلهام والسلوى، والسخرية أيضاً. ولد الروائي والشاعر التشيلي روبيرتو بولانو في سانتياغو بتاريخ 18 نيسان 1953 وتوفي مبكراً عن عمر ناهز الخمسين بتاريخ 15 تموز 2003. كان أبوه يعمل سائق شاحنة (وملاكماً أيضاً). في سنة 1999 فاز بولانو بجائزة "رومولو غاليغوس" عن روايته الأولى (رجال التحري المتوحشون)، ومُنح سنة 2008 ، أي بعد وفاته، جائزة حلقة النقاد للكتاب الوطني للقصة عن روايته التي تحمل عنوان (2666)، وقد نشرت هذه الرواية سنة 2004. أمضى بولانو مع أخته سنوات حياتهما المبكرة في الجنوب على الساحل التشيلي. بحسب قوله كان طفلاً نحيفاً، ضعيف البصر، محبّاً للمطالعة بنهم، وغير واعد بأي مستقبل زاهر. كان يعاني منذ صغره من خلل وراثي بسيط في الدماغ يبدو أنه قد أثرّ كثيراً على قدرته لاستيعاب الدروس، حيث كان على الدوام يشعر في المدرسة بأنه غريب أو دخيل على مثل ذلك الجو. انتقل مع عائلته سنة 1968 إلى مكسيكو سيتي، حيث تخلى نهائياً عن المدرسة، وعمل في مجال الصحافة منذ سن مبكرة، وما لبث أن أضحى مؤيداً لقضايا يسارية. أمضى بولانو معظم فترة مراهقته متشرداً، حيث عاش تارة في وطنه تشيلي، وأخرى متنقلاً بين المكسيك، والسلفادور، وفرنسا، واسبانيا. في السبعينات، أصبح بولانو تروتسكياً وعضواً مؤسساً لحركة شعرية عُرفت باسم (انفراريالزمو) أو "ما تحت الواقع". بعد فترة قصيرة أمضاها في السلفادور، برفقة الشاعر روك دالتون ومقاتلي جبهة التحرير الوطني، عاد بولانو إلى المكسيك، وعاش منذ ذلك الحين كشاعر بوهيمي أو طفل كبير مزعج. يقول عنه محرر أعماله جورج هيرالدي، "إنه أديب محترف، لكن من المؤسف أنه مثير للمشاكل ويتجنّبه اغلب الناشرين، فهو في أعماله يندفع بحماس لتجريب مختلف الأساليب الأدبية التي تثريها قراءاته الواسعة". ربما كانت لسلوكه الغريب هذا علاقة قوية بأيديولوجيته اليسارية ونمط حياته الفوضوي. هناك مرحلة مهمة في حياة بولانو، أشار إليها بأشكال مختلفة في العديد من أعماله، بدأت سنة 1973، عندما غادر تشيلي لكي "يساعد في بناء الثورة" كما قال، وذلك من خلال السعي لإقامة نظام اشتراكي. بعد انقلاب اغوستو بينوشيت ضد الليندي، تم اعتقال بولانو وذلك للشك في كونه "إرهابياً" وأمضى ثمانية أيام رهن الاعتقال. وقد تم إنقاذه من قبل اثنين من زملائه السابقين في الدراسة كانا قد أصبحا حُرّاساً في السجون. ويصف بولانو تجربته هذه في قصة قصيرة بعنوان "بطاقة رقص".  انتقل بولانو إلى أوربا سنة 1977، واستقر به المقام أخيراً في اسبانيا، حيث تزوج وعاش على ساحل البحر الأبيض المتوسط بالقرب من برشلونة، وقد عمل في بداية الأمر في غسل الأطباق، وحارس مخيمات، وخادماً في الفنادق وحتى جامع قمامة. كان يعمل نهاراً ويكتب في الليل. ومنذ مستهل الثمانينات من القرن الماضي عاش في قرية ساحلية على ساحل كاتالان تسمّى بلينز. تكمن العبقرية في أعمال بولانو في أنها تطرح سؤالاً جوهرياً، وذلك من خلال التعبير الحاد في سخريته إلى درجة أن القارئ يمكن أن يتعرّض لجرح فيسيل دمه على الصفحات. ذلك السؤال يلحّ علينا حين نلتمس شيئاً من الراحة في الفن، إذا نظرنا إليه كمنهل للجمال، إذا وجدنا فيه العذر للاختباء عن العالم المنشغل عنا كثيراً: هل من الشجاعة أن نقرأ أفلاطون أثناء انقلاب عسكري، أم هو شيء آخر؟" يقول بولانو، في قصة قصيرة له بعنوان "طبيب الأسنان" على لسان إحدى شخصياته "ما معنى الفن، إنه قصة الحياة بجميع جزئياتها. تلك القصة المليئة بالأسرار التي لن نعرفها أبداً، رغم أننا نعيشها كل يوم، نحن نعتقد بأننا أحياء، نتصور أننا نفهمها، أما الأمور التي نتغافل عنها فهي لا تهمنا بشيء. لكن كل شيء في قصة الحياة بالغ الأهمية! ولكننا لا ندرك هذا. نقول لأنفسنا إن الفن ي

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram