فريدة النقاشلارتباط منظمات الإرهاب والتكفير بالامبريالية تاريخ طويل بعضه معروف منذ قامت المخابرات الأمريكية والسعودية والفرنسية وبالتعاون مع المخابرات المصرية في ظل حكم الرئيس »السادات« بتدريب وتمويل منظمة طاليبان لمحاربة الشيوعية والجيوش السوفيتية في أفغانستان في نهاية سبعينيات القرن الماضي، وفي أحضان طاليبان نشأت منظمة القاعدة وتوسعت في تدريب آلاف الإرهابيين في العالم أجمع وهي تسدي للامبريالية خدمة كبرى حين تحول الصراع الشعبي ضدها إلى نزاع ديني.
وبعد قصف البرجين في نيويورك ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية في واشنطن في ١١ سبتمبر/ أيلول 2001 فتحت الولايات المتحدة الأمريكية معتقل غوانتانامو في كوبا الذي كان وما يزال مدرسة لتدريب وتخريج الإرهابيين بدعوى مكافحة الإرهاب وفيه تربى العشرات منهم لخدمة نفس الهدف وهو تشويه وعي الشعوب بأخطار الامبريالية وتفجير النزاعات داخل هذه الشعوب.ففي شهادة بجريدة الشرق الأوسط لأحد المعتقلين السعوديين الذي أطلق سراحه مؤخرا من معتقل »غوانتانامو« ويدعى جابر الغيضي يقول إن التعذيب هناك قد أودى بحياة الكثيرين، كما أدى إلى غياب العقل ثم الجنون، كما كان هناك من يؤصل لفكرة التكفير من مختلف الجنسيات والذين كانوا يكفرون بعض الدول الإسلامية، ويأخذون في هذا الجانب منحى تدريجياً لكي يصدموا البعض بدولهم وأممهم، وأتتني قناعات وتأثرت بفكرة تكفير الدولة الذي كان يملى علي في المعتقل ويدعونني لعدم الاعتراف بالعلماء«.وفي التجربة المصرية ساند نظام الرئيس »السادات« الجماعات الدينية المتطرفة وسلحها لمحاربة اليسار الشيوعي والناصري في الجامعات وفتح لها السكك لتتوغل في المجتمع إلى أن دبرت هذه الجماعات لاغتياله هو نفسه ونفذته.والتقت الأهداف المحلية مع الأهداف الاستعمارية حين استهدفت خطة »السادات« في ذلك الحين تشويه الصراع الطبقي الذي احتدم بعد الانقلاب على السياسات الناصرية وبناء مفهوم للجماعة على غير أساس العلاقات الطبقية فوق الطائفية مما أدى إلى تلويث الوعي الاجتماعي وإعاقة نضجه على أسس صحية، ليسهل التلاعب به من جهة، ووضع العراقيل من جهة أخرى أمام عملية تنظيم الجماهير على أساس من مصالحها الفعلية لا المتوهمة، وتفريغ طاقاتها في النزاعات الدينية دون أن يتوجه غضبها لسلطة الفساد والاستبداد.وفي الحالة المصرية كانت العوامل الداخلية دائما هي الحاسمة في انطلاق موجات التطرف والعنف الطائفي منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي ووقوع أحداث الخانكة، ولم يعد ممكنا مواجهة حالات الاحتقان في البلاد التي وصلت لحد الإجرام الوحشي كما حدث في »نجع حمادي« قبل عام، وما حدث في كنيسة القديسين بالإسكندرية قبل أيام والمشترك الأول بينهما هو التراخي الأمني في حماية الكنائس، وحتى لو كان مدبرو ومنفذو تفجير الإسكندرية مدفوعين من الخارج، وكما يقال من منظمة القاعدة فإن البيئة المحلية بمكوناتها تظل قادرة على الدفع بمئات المتطرفين والإرهابيين إلى أفعال إجرامية إذا لم نتناد بمنتهى الجدية والصرامة للتعامل مع جذور الاحتقان الطائفي في البلاد الذي أصبح ظاهرة وليس مجرد حالات فردية.ففي المؤسسة التعليمية هناك تمييز ضد المسيحيين وإهمال لتاريخهم فضلا عن حصة الدين في المدارس التي تعزلهم عن المسلمين ولطالما دعا مفكرون وتربويون إلى حصة دين واحدة يجري فيها إضاءة القيم العليا المشتركة في الديانتين وتكون أساسا لخطاب ديني مستنير وجديد على الجانبين ولتعليم التلاميذ الاحترام المتبادل والاعتراف بحق الآخر في الاختلاف ، وفي هذه الحالة ستكون القيم العليا ملهمة للجميع وخطوة على طريق التحضر والاستنارة ، والقضاء على تهميش المسيحيين الذي يغري بالعدوان عليهم.ولم يلتفت القائمون على الإعلام إلا مؤخراً جدا لتلك القنوات التليفزيونية التي تبث خطاب الفتنة والفرقة والتحريض الأسود، وما تزال البرامج الدينية في مؤسسات الإعلام المملوكة للدولة في حاجة إلى إعادة نظر وستراتيجية جديدة تقوم أيضا على المشترك بين الديانات كافة، وأبناء هذه الديانات هم أبناء أمة أهل الكتاب كما علمنا القرآن الكريم.ولعل الاتجاه الذي تتبناه مؤسسة الأزهر في الحوار بين الأديان أن يكون أداة للمؤسستين الدينيتين الكبيرتين في البلاد لخلق بيئة منفتحة تقوم على الحوار بين أبناء الوطن الواحد.ومن المهم في هذا السياق أن يتكاتف المفكرون والكتاب والمثقفون لتبيان الارتباط بين مبدأ المواطنة الذي جرى النص عليه في الدستور المصري وبين العلمانية حتى يحرروا الأخيرة من ارتباطها الزائف بالإلحاد، بينما هي تعني فصل الدين عن السياسة وعن الدولة.هناك إذن طريق طويل علينا أن نقطعه حتى نقضي على الاحتقان من الجذور .
الاحتقان بين الخارج والداخل
نشر في: 4 يناير, 2011: 05:29 م