علي حسن الفوازيبدو ان الاشكالات العالقة بنقد المناهج والافكار التي تمثل جوهر الدرس الجامعي، تعاني أزمة توصيفية في التعاطي مع ما يتمخض عنها من ظواهر، مثلما تعاني ازمات اجرائية في اعادة فحص ومعالجة توظيف هذه المناهج في تنمية القيم العلمية للمؤسسة الجامعية ولدورها في إثراء المنظورات الفاعلة التي يمكن ان تضع هذه المناهج ذات المرجعيات الغربية في سياقها الصحيح، كمصدر اساسي في التفاعل مع طروحاتها الحداثية ومع اسئلتها التي باتت اليوم تستغور ادوارها في تحولات الفكر والانسان والمؤسسة.
الكثير من المدارس النقدية المعاصرة تواجه تعقيدات الظواهر الاجتماعية والسياسية، وهذه المواجهة كثيرا ما تضع الدرس النقدي في سياق إشكالي يتجاوز خصوصية هذه المدرسة او تلك، مثلما يقف قاصرا امام الطبيعة المعقدة لمرجعيات الظواهر الثقافية، ونمطية المؤسسات الجامعية التي لم تتحول فيها الظاهرة النقدية الى تقاليد، خاصة وان الانظمة السياسية منذ عام 1963 قد جعلت الجامعة جزءا من مؤسسة السلطة، ومن ظاهرة تفريخ بنيتها التعليمية والثقافية وتكريس مروجي أنماطها، وبهذا الدور فقدت مرجعيتها المناهجية التي ينبغي ان تقوم اساسا على الاستقلالية والمهنية وحيوية الدرس العلمي. انغلاق المؤسسة الجامعية طوال عقود افقدها حيوية التفاعل مع الفضاء الثقافي العام، واصاب الكثير من رموزها التدريسية بعدوى هذا الانغلاق، وبالتالي عزلها عن صنع الظواهر الثقافية وتفعيل دور المناهج والاجراءات التنويرية التي نسمع عن ظواهرها الصاخبة في الجامعات الغربية وحتى بعض الجامعات العربية، اذ تكون الظواهر الثقافية المثيرة للجدل جزءا من حيوية وجدّية المؤسسة الجامعية. تسييس العمل الجامعي، وادخال مؤسسته في البنية الوظيفية المباشرة للدولة السياسية، واخضاع درسها لموجهات الايديولوجيا السياسية والاجتماعية لهذه الدولة، او حتى النظر الى الجامعة بانها مجرد مدرسة تعليم عال، يضع الجامعة امام الكثير من التعقيدات والتجاذبات، وربما يضع الجامعة ايضا بصفتها نوعا من(المدرسة) امام استحقاقات حقيقية على مستوى تغاير الوظيفة، وعلى مستوى التأهيل المهني، وعلى مستوى ايجاد التقاليد العلمية التي من شأنها ان تضع الجامعة في سياق تاريخي ووظيفي اكثر جدّة وفاعلية. فضلا عن ايجاد(مناطق ساخنة) لتلمس ماتحمله المناهج الحديثة من اسئلة حديثة، لان الدرس الجامعي خارج هذه المناهج وحداثتها يكرس ظاهرة الجامعة/المدرسة، والجامعة المؤسسة التعليمية التي لا شأن لها سوى تفريخ المدرسين واصحاب الخبرات النظرية العاطلة عن الواقع الذي يحتاج الى بطولات اخلاقية ومعرفية، والى مناهج تعيد تأهيل العقل الثقافي لصناعة المستقبل.هذه المؤسسة العريقة والمعزولة ظلت للاسف تمارس دورا محددا في إثراء البنية التعليمية، وفي تصنيع ظواهر التعليم العالي في سياقه المهني، لكنها بالمقابل كانت تمارس دورا محدودا في التعاطي مع اشكالات الثقافة المعقدة ومنها اشكالات التنمية الثقافية وحيوية توظيف المناهج في اثراء الدرس العلمي والمعرفي، و في اطار اثارة الاسئلة حول مفاهيم الحداثة وايجاد الاستعدادات لتقبل كل الاتجاهات التجديدية والتنويرية بتلاوينها المتعددة. اذ تعرضت هذه المدارس الى نوع من فقدان القدرة على الاندماج مع كونية التحولات التي عصفت بالعقل الانساني وطبائع المناهج والتعاطي الاشكالي مع كل عوالق الافكار التقليدية، تلك الافكار التي تحولت الى مهيمنات في سياق الزمن الثقافي، فضلا عن كونها اسهمت خلال عقود من الزمن السياسي في تعطيل الكثير من التوجهات والمشاريع التي يمكن ان تعزز فاعلية اتجاهات الحداثة على مستوى البنيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وليس الثقافية فقط. ان تداول فروض الدرس التقليدي على مستوى المدارس وأقصد هنا الجامعات كمؤسسات للتعليم والتعاطي مع السائد والمكرس من هذه المناهج، أسهم في تكريس الانماط التقليدية للدرس والتعليم وفرض القيود على تقبل ماهو جديد، والتي اصبحت جزءا من المتحف اولا، مثلما ان حضورها قد شحب كونياً تحت عوامل التعرية التي بدأت تعصف بالسيرورات الثقافية ثانيا، وهذا ما جعل هذه الانماط تميل الى التمترس بالطروحات غير الممنهجة والخائفة وغير الواعية من الآخر العولمي والامبريالي والاستشراقي الذي بدأ يرحل صوبنا بكل مناهجه وعلومه وعرباته السريعة منذ اكثر من قرن ونصف القرن.rnالتنوير والآخر والدرس الجامعي مثقفو التنوير في الثقافة العربية منذ نهاية القرن التاسع العاشر أسسوا خطابهم تحت هاجس الانبهار بهذا الآخر، مدارسهم وتوجهاتهم ونصوصهم اجترحت لنا وعيا متماهيا مع آليات الحوار والتفاعل والتثاقف مع الآخر الثقافي في سياقه كنظام اجتماعي وثقافي وسياسي وصناعي وحقوقي، مثلما هو الحوار المفترض مع (حداثوية) هذا الآخر ومشروعه الجديد المؤسسي والانساني. التنوير القديم والجديد ظل للاسف محصورا في اطار الانبهار والتأثر والتقليد ولم يصنع لنا للاسف اتجاها واسعا في البناء وفي النقد(نقد الذات، ونقد النظام، ونقد التاريخ)، كلما تركه لنا هذا التنوير في سياقه كأثر، هو افكار عامة تدعو لتقليد الآخر واستثمار ما انجزه من بناء حضاري ومؤسساتي وحقوقي انعكس على استشراف رؤى مغايرة، لكن لاأرض لها في بناء مشروع جديد للدولة السياسية الحافظة للقوة والحق والعدل والنظام الاجتماعي والقيمي والفكري والمعارفي، مثلما هو
في نقد الدرس الجامعي التاريخي..أسئلة في المناهج..أسئلة في النماذج
نشر في: 8 يناير, 2011: 05:05 م