علي نافع حموديشهد هذا العصر في ظل التطور التقني وانفتاح الإعلام على بعضه البعض فضلا عن تقارب دول العالم اقتصادياً في ظل العولمة والدخول في اتفاقيات دولية، نشط الحديث عن الفساد الإداري وأصبح مألوفاً للجميع، في وقت كان فيه هذا الموضوع عند بعض الدول من الخطوط الحمر التي لا يمكن مساسها لكون الفساد بطبيعة الحال يحمي الفساد.
ومن الصعب إيجاد تعريف واحد لمفهوم الفساد الإداري اذ ان هناك تعريفات متعددة تناولتها من جوانب مختلفة، لكنها لا تعطي تعريفاً شاملا ودقيقاً حيث تباينت وجهات النظر بين الأكاديميين وأهل الاختصاص وغيرهم فمنهم من ذهب إلى ربط مضمون الفساد الإداري بالبعد الحضاري وما فيه من قيم وتقاليد ومعتقدات ونظم سياسية وبيئية أخرى، ومنهم من ذهب إلى النظرة الأحادية بالقول بأن الفساد الإداري هو نتيجة التسيب والفوضى واستجابة للحاجة والعوز المادي. ذا باختصار ما يروج له الطرفان. ولم يغب عن أذهان اللغويين والمفسرين تعريف ذلك بأقوال عدة، فمن يرجع إلى أمهات المؤلفات العربية كلسان العرب لابن منظور، والقاموس المحيط للفيروز أبادي، والمصباح المنير للفيومي يجد تعريفات عدة في هذا الأمر. وبالرجوع إلى الآراء الحديثة فإن معجم وبستر في اللغة عرّف الفساد الإداري انه "إقناع شخص مسؤول عن طريق وسائل خاطئة كالرشوة مثلا بانتهاك الواجب الملقى على عاتقه". وبطبيعة الحال فإن الفساد في الواقع العملي قد لا يكون من الصعب معرفته بخلاف صعوبة إيجاد تعريف علمي دقيق له. حيث ان كل ما خالف الطبيعة البشرية بداهة فهو خطأ. والفساد الإداري يرتبط من اسمه بالأعمال والوظائف سواء كانت في القطاع العام أو الخاص، حيث ان الموظف مهما كانت مرتبته علت أو دنت أو كينونة عمله المختص بها إنما وضع لانجاز مهام مؤتمن عليها كونها تدخل في مسؤوليته سواء كانت تلك المسؤوليات اشخاصاً تحت إدارته، أو ممتلكات، أو اموالاً، أو أسرار عمله وما يرتبط به. لذا فإن كل ما خالف القيام بهذه المسؤولية شرعاً وعرفاً ونظاماً فانه يعتبر فساداً إدارياً. وعموماً فالمعروف للجميع بأن كل من استغل سلطاته من خلال وظيفته بهدف تحقيق مكاسب شخصية سواء كانت مالية أو اجتماعية، أو أية منفعة كانت فإن ذلك يعد فساداً إدارياً، وهذا الشكل ربما لا يختلف عليه اثنان. لكن يلاحظ انه ليس تعريفاً شاملاً للفساد الإداري، فكثير من الناس قد يكون سلوكه الوظيفي محل تساؤل عُرف أم لم يعرف. إلا انه درج على ذلك وكثير من الناس تعارفوا على تلك الممارسات الخاطئة مثل التأخير في الحضور أو الانصراف من وإلى العمل أو الخروج مبكراً أو إهدار ساعات العمل وعدم انجاز المهام المكلف بها الموظف، كل تلك الممارسات تكون تدخلاً ضمن تلك الأخطاء. وقد يستثني البعض انتشار تلك الممارسات خصوصاً في دوائر الدولة وقد لا ينظر إلى تلك الأمور على إنها مشكلة كبيرة قد تفسر للبعض على انها شكل من أشكال الفساد الإداري. الفساد في مجمله: كل سلوك يرتبط بالعمل أو الوظيفة يخالف الشرع، أو النظام، أو العرف، على اختلاف تلك التنظيمات سواء كانت مخالفات كبيرة أو صغيرة. وقد يتعود الكثير ان يراها بهذا الشكل. لكن من المهم وكجزء من التعرف على هذه المشكلة ان البعض يحصر مفهومه للفساد الإداري بأنه يرتبط بالأموال وفي المناصب العليا وشاغليها فقط. لكن ذلك كما أشرنا بتنوع وتختلف بجهات وإشكال مختلفة وبمستويات عدة ولكنه في كل الأحوال يعتبر فساداً لا ينبغي التقليل من أهمية خطره على المجتمع في مجالات الحياة كافة ان معرفة الفساد الإداري وتشخيصه له أهمية بالغة لكونه الخطوة الأولى والمهمة في سبيل إيجاد الحلول للحد منه أو القضاء عليه، وقد كتب كثير من الباحثين حول سبل مكافحة الفساد مع اختلاف النظرة والتعريفات طبقاً للحالات والبيئات المختلفة إلا ان مجمل تلك السبل تركز على جانبين، رئيسين، فالجانب الأول يركز على الفرد كونه عنصراً مساهماً إذا ما حدث ومخالفة تؤدي إلى وجود فساد إداري أيضاً. ومن نافلة القول ان الفرد له دوره الفعال في الإصلاح إذا ما عرف مفهوم الفساد الإداري بجميع إشكاله ومستوياته. كون الجانب الفردي له أهميته في عملية الإصلاح عندما يقوم الفرد بتقويم سلوكياته من خلال تعزيز القيم وتطبيق الأنظمة وعدم الرضوخ للمغريات. إلا ان الجانب الفردي بأهميته لن يكون كافياً بل يجب إصلاح الجانب التنظيمي بما يتعلق بالمنظمات وقوانينها وأنظمتها وكذلك إجراءاتها بما يتضمن تحقيق العدالة للعاملين بالدرجة الأولى مع إحكام الرقابة بشكل عملي قابل للتطوير والتعديل ليتماشى مع متغيرات الواقع. ان الفساد الإداري يعتبر معضلة في سبيل تطور المجتمعات والدول لأنه يقضي على القيم ويعزز النظرة الفردية بتغليب مصالحها على مصلحة المجتمع بجميع أشكاله ومستوياته من خلال العمل بطرق غير مشروعة ينتج منها استفادة فئة صغيرة على حساب حقوق وتطلعات الفئة الأكبر، وهذا بدوره كفيل بأن يوقف عجلة التنمية وتنفيذ خطط التنمية سواء في منظمة صغيرة أو في دولة بأكملها. وقد تكون عمليات فتح ملفات الفساد في الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى مفيدة في سبيل مكافحة هذا الوباء، ما يساهم في زيادة الوعي حول الفساد الإداري كأحد أهم أسباب مكافحته من
الفساد الإداري والمالي ودور الإعلام في كشفه
نشر في: 10 يناير, 2011: 05:44 م