صبيح الحافظالتاريخ مرآة تعكس صور الحالات والأحداث الاجتماعية والثقافية والأدبية للآباء والأجداد على مرّ العصور ، بل هي نافذة تطل على معالم تلك العصور التي ماتزال شاخصة أمامنا حتى يومنا هذا ، ولذا نرى أن الدول والحكومات تهتم بتلك المعالم والأدوات الأثرية وتحافظ على صيانتها وإدامتها كإرث لمجتمعاتها ولتطلع عليها الأجيال اللاحقة ، فضلاً عن انها تحفز السياح من المجتمعات الأخرى لمشاهدتها وإلاّ ما قيمة تمثال لامرأة مصنوع من الطين آواخر لرجل أو لحيوان أو قطعة نقود معدنية شكّت في مرحلة من المراحل التاريخية وغيرها من الموروثات التي تركتها تلك المجتمعات على مر السنوات الماضية.
إن ارض العراق تزخر بالآثار والمعالم في شماله كانت أو في جنوبه أو في شرقه أو في غربه. ومن هذه الآثار الباقية خان (الشيلان) والذي يعتبر من المعالم المهمة جداً في مدينة النجف الاشرف حيث نراه شاخصاً في مدخل شارع الخورنق في وسط المدينة ، وقد زاره الكثير من الباحثين والمؤرخين الأجانب ، وهو يعتبر أيضاً رافداً اقتصادياً لقطاع السياحة.يحتوي بناء ( خان الشيلان) على طابقين وفي كل طابق يضم عدداً من الغرف والايوانات وبجهاته الأربعة وتتوسطه ساحة مستطيلة الشكل تقدر مساحتها أكثر من(1000) الف متر مربع وتحتوي ينايته ايضاً على سرداب كبير، وقد اتخذ إبان ثورة العشرين مقراً للأسرى البريطانيين من سيك وكركة وهنود الذين تم أسرهم بعد نجاح الثوار في معركة (الرارنجية) قرب مدينة (الكفل)، وقد ترك هؤلاء الاسرى كتابات ورسوماً على جدران الغرف التي سكنوها خلال فترة الأسر وهي منقوشة الى الآن ويستطيع الزائر مشاهدتها وقراءتها وهي مكتوبة باللغة الانكليزية.حينما يغيب القانون والضوابط تنتهك القيم والأعراف الاجتماعية عندها ينتهج البعض من فاقدي الشعور بالمسؤولية الوطنية نهجاً ونزعة عدوانية تدفعه للاستيلاء على حقوق وممتلكات الآخرين وهذا مايعبر عنه علماء الاجتماع(بشريعة الغاب) حيث قام نفر من الذين فقدوا الإحساس الوطني ومصلحة العراق وأهمية المعالم والأبنية الأثرية ومردودها الثقافي والسياحي وفضلوا مصلحتهم المادية على مصلحة العراق وذلك بالاستيلاء على خان الشيلان وحولوا منشآته وإيوناته الى دكاكين ومحال تجارية واحدثوا تخريباً في جدرانه وطمس بعض كتابات ورسوم اولئك الأسرى التي نقشوها على الجدران مستغلين غياب السلطة خلال عملية التغيير عام(2003) ، إذ أنهم استحصلوا عقداً مزيفاً للمساطحة مع الحكومة آنذاك ولمدة خمس عشرة سنة ، كذلك قاموا ايضاً بتأجير ساحة الخان من الداخل الى بعض أصحاب المهن كالحدادة والنجاره وغيرهما. ولكوني صحفياً وترددي الى مدينة النجف الاشرف آنذاك فقد اتصلت مع بعضهم وحاورتهم لإفهامهم بأن هذا العمل هو غير قانوني وغير وطني ومخالفاً لقانون الآثار رقم(55) (( الأضرار والتشويه بالمعالم الأثرية)) فلم يستجيبوا رغم تحذيري لهم بأني سوف أنشر ذلك في الصحافة ، وفعلاً نشرت موضوعاً حول ذلك التجاوز في واحدة من الجرائد آنذاك.بقي هؤلاء المتجاوزون على خان الشيلان منذ سنة 2003 حتى نهاية شهر ايلول 2010 ، حيث قامت اللجنة الشعبية المكلفة بجعل مدينة النجف الاشرف عاصمة الثقافة الإسلامية لسنة 2012 وبتأييد من منظمة اليونسكو بمفاتحة هيئة الآثار محافظ النجف لرفع التجاوز على منشآت خان الشيلان وإعادته الى وضعه السابق كما كان وفعلاً فقد صدر قرار بهذا الخصوص وتم رفع التجاوز حيث شاهدت ذلك، أثناء زيارتي الأخيرة مدينة النجف بمناسبة عيد الأضحى المبارك عدداً من العمال المكلفين من قبل هيئة الآثار والمحافظة وهم يعملون على قدم وساق بترميم الغرف والإيوانات بهدف إعادتها إلى وضعها السابق. rn
لا يصح إلاّ الصحيح..رفع التجاوز عن خان الشيلان
نشر في: 12 يناير, 2011: 05:05 م