عواد ناصر.. وهرب الرئيس بعد خمسة وعشرين عاماً من الدكتاتورية والفساد وحكم العائلة والأقارب والأصهار (عائلة الطرابلسي، زوجة بن علي والماطري).لم تكن تونس، مثل أي بلد عربي من الأشقاء، مرشحة لثورة شعبية قادتها ووقودها الناس، فالتغيير العربي، تقليدياً، قرين الانقلابات العسكرية التي يطيح فيها الحكام والملوك بعضهم بعضاً،
على مدار مرحلة ما سميت بـ(الاستقلال الوطني) وهي المرحلة التي سلم فيها الاستعمار الأجنبي سلطة البلدان المستعمرة إلى العسكر الذين سجلوا صفحات السياسة بتداول السلطة بانقلابات حمر أو بيض، ومن بينها انقلاب زين الدين بن علي الأبيض على سلفه ومربيه وراعيه الحبيب بورقيبة، إذ كان الأول حارس أمنه وحافظ سلطته مخابراتياً.المفارقة الكئيبة هي أن ليس ثمة شعب عربي انتفض على حاكمه وأسقطه وغيّر نظام الحكم، عدا الشعب التونسي، مع أن التكهن بمستقبل البلد من السابق لأوانه، حتى لو اعتبرنا أن حركة شعبية من هذا النوع، كما يجري في تونس اليوم، تؤشر إلى مستقبل جدير بالاهتمام، رغم محاذير من أن الإسلاميين الذين حظرهم بن علي ربما سيقتنصون الفرصة وسط مدّ من إسلام سياسي يجتاح المنطقة، لكن تونس، وبفضل ضارة نافعة، ربما لم تتح للإسلاميين انتعاشاً جماهيرياً بسبب القمع والحظر، وإذا استجاب المعارضون في الخارج لدعوة الغنوشي، الرئيس بالإنابة، فقد تتجه الخريطة السياسية نحو خطوط علمانية ومدنية.كان العراق، حسب ما يشاع عن عنف شخصية أبنائه، البلد العربي (بالأغلبية) المرشح لقيادة التغيير في المنطقة العربية، منذ ثورة العشرين، لكن الشعب العراقي شعب حزين أكثر مما هو شعب عنيف، رغم غلظة طباعه، فلم يسقط، عبر تاريخه المفعم بالانتفاضات، أياُ من حكامه المستبدين، وما حدث فيه هو انقلابات عسكر أيدهم الناس في ما بعد نجاح الحركة (14 تموز 1958) ليستتبعها مسلسل انقلابات عسكرية لعب الحظ، أكثر من شروط التغيير وضروراته، الدور الأكبر في نجاحها (خصوصاً انقلابي البعث الأول والثاني في 8 شباط 1963 و17 تموز 1968).وفي مصر (قلب العروبة النابض) كان انقلاب الضباط بقيادة محمد نجيب ورفاقه يتماشى مع الشخصية المصرية: شخصية السهل الممتنع، إذ ثمة ثورة لا تشبه الثورة، وانقلاب لا يشبه الانقلاب.. ترحيل الملك فاروق بأبهة وسلام ملكي وتوديع رسمي (!) وتشكيل حكومة ثورية ستقود البلاد إلى الكوارث (هزيمة 5 حزيران 1967 من أبرزها)، وبقيت بقية بلداننا العربية متواطئة مع نفسها، شعوباً وحكومات، سواء تلك التي لم تجد غير الفول والمكدوس على مائدتها الفقيرة أو في جنوبها، دول وإمارات غنية بالنفط، ثروة الطبيعة غير العادلة، حيث يعيش الجميع في بحبحوحة الطعام كثير الدسم، الأمير والخفير... والخلاصة، أن لا شعب عربياً، منذ ما سمي بالاستقلال نجح في استبدال أو تبديل أو تعديل حكومته، وسط غياب تام لإرادة الصمود والتصدي بطبعة شعبية، لا حكومية شعارية، وكأن الشخصية العربية غير مؤهلة منذ الولادة لحمل جينات تتولد وتولِّد الإحساس بالحرية، ولعل جينات تقليدية هي العاملة، وحدها، في الدم العربي: العبودية والخنوع.الأمثولة التونسية، أيّاً كانت آفاق التغيير، تستحق الإعجاب، إذا ما أدركنا أن الناس هم قادة التغيير ومادته وأبطاله وشهداؤه الذين يواصلون ثورتهم الشعبية رافضين الترقيع بتولي رئيس الوزراء محمد الغنوشي، اليد اليمنى للرئيس الهارب، رغم حنكته السياسية والاقتصادية، متمسكين بالتغيير الجذري، هذا إذا لم تحصل مفاجآت سياسية داخلية لم تدخل في حسابات المحللين.
تونس.. هروب رئيس فـي لحظة تغيير عربية نادرة
نشر في: 15 يناير, 2011: 05:18 م