اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > الطبيب الأنموذج "رافد صبحي بابان".. غاب عنا ولم يغب!

الطبيب الأنموذج "رافد صبحي بابان".. غاب عنا ولم يغب!

نشر في: 16 يناير, 2011: 04:47 م

يوسف العانيكلما تحدثت عن المسرح العراقي الحديث والوجوه الشابة فيه منذ الأربعينيات.. الا وأشرت بحماس الى النشاط المسرحي المدرسي. وفي الكليات بصورة خاصة سيما دار المعلمين العالية وكلية الحقوق والكلية الطبية بنشاطها المتميز وبانفتاحها الحضاري على المرافق الفنية الاخرى كالفن التشكيلي والموسيقي والنشاطات الثقافية المختلفة وكان لابد لي من ان اضع امامي احد طلبة الكلية
الطبية بأواسط الأربعينيات عنواناً لكلمتي اليوم بعد ان فارق الحياة يوم 22/1/2010 ، في لندن ان اشير بمقدمة قصيرة إلى المسرح والى شؤون فنية اخرى لأن "رافد صبحي بابان" لم يكن آنذاك طالب طب فحسب بل هاوياً لفنون عدة في مقدمتها"المسرح"rnوليس غريباً ايضاً ان اشير الى حركة تقديمية جريئة يتمتع بها هو وشقيقته وزميلته في الكلية الطبية "سميرة صبحي بابان" ليكسرا تلك التقاليد الجامدة في ابتعاد الفتاة المثقفة عن المسرح لتكون سميرة وجهاً مسرحياً في مسرحية "رصاصة في القلب" لتوفيق الحكيم لتقف مع"رافد" على خشبة مسرح الكلية مع بعض زملائها.. أذكر منهم الطالب علاء الخالدي، وتتجمع عائلتهما- داخل قاعة المسرح ووالدها الرجل الفاضل رب تلك الاسرة التي تميزت بتقاليدها وبسمعتها المحترمة.. ليشاهدوا بفخر الفتاة العراقية ابنتهم على المسرح ممثلة تتبارى مع اخيها في الابداع والتألق، والأب الفاضل يشير الى هذه الهواية باعتزاز- كما اشرت فالمسرح بتقديره وحساباته ثقافة في زمن كان الكثيرون لا يلتفتون اليه بل يحسبونه سبة عليها ومساً لسمعتهم..!وكانت شقيقة"رافد"  الثانية وهي طالبة في كلية التجارة والاقتصاد تقف هي الأخرى على مسرح قاعة فيصل وقاعة الشعب بعد ذلك، لتقدم مع زملائها وزميلتها"لميس العماري" مسرحية"في سبيل التاج" التي أخرجها الأستاذ "حقي الشبلي" في حفل تخرج الطلبة عام 1950 ، والعائلة الفاضلة نفسها، مع رافد وحامد وسميرة تجلس لمشاهدة ابنتها بزهو واعتزاز.هذه الاستذكارات السريعة، وانا اتلقى ، خبر وفاة الصديق العزيز "رافد" لعيون جف الدمع فيها. وبنفس "مهمومة، متعبة اعادتني مع اكثر من صديق الى ذاك الذي فارق الحياة بعد معاناة لمرضه الذي لم يستطع هو بقدراته ان يخفف وطأته او ان يغلبه مع جمع من خيرة زملائه الاطباء في لندن.تلك الاستذكارات اعادتنا الى وجه العراق الحضاري المنبعث من اصرار المثقفين آنذاك الذين أنبتتهم تربة وطنهم تاريخاً وتواصلاً فكرياً وانفتاحاً على حضارات اصرو على ان يقتربوا من جوهرها الانساني العميق ليقدموه بوعي ويغنوا أصالة حضارتهم وتطويرها على مختلف مستوياتها. كنا نستمع في جلسات موسيقية الى ارقى السمفونيات العالمية ونحضر الحفلات التي تقدمها الفرقة السمفونية العراقية التي كان"ساندو آلبو" يشرف عليها والتي تضم مجموعة مثقفة وهواة الموسيقى الشباب ونستمع ايضاً الى محاضرة عن "المقام العراقي" يقدمه الاستاذ "باهر فايق" في قاعة دار المعلمين العالمية وهو واحد من سفراء العراق بوزارة الخارجية ومن عائلة عريقة في مكانتها وسمعتها كنا نعيش الساعات مع عروض مسرحية تقدمها فرقة المسرح الحديث والفرقة الشعبية ومعهد الفنون الجميلة ونشاطات في اكثر من كلية تقدم بمحبة وبهواية انيقة وبابداع اصيل خال من التقليد السطحي الذي تقدمه فئة اخرى لا تريد ان تبحث او تجدد او ترفع على مستويات السهل الميسور الذي نقل الينا بلا تأمل لمحتواه التخريبي.كان معنا في كل هذه الاستذكارات الحميمة واحد من ابطال ونجوم ذاك الزهو المتدفق والمواصلة الامينة والدرس الملتزم في مجال الدراسة الاكاديمية وهو طالب طب اولاً وقبل كل شيء آخر ليظل في المقدمة متفوقاً وانموذجاً للشباب الذي يحب ان يكون كبيراً او ليكون منذ بداياته يخترق متاعب ومصاعب الدراسة ويتفوق حتى على تفوقه لينال أعلى درجات المكانه والموقع طبيباً في الجراحة واميناً صادقاً في انسانيته العذبة، وأتوقف عند كلمة العذبة، فقد كان"رافد" عذباً في سلوكه .. يرش البسمة والتفاؤل والامل من خلال ضحكته وهو في اشد ساعات المعاناة والتعب والهم احياناً. كان عذباً رغم العذاب ورغم متاعب شعبه الذي يكن الاحترام المتبادل والمسؤولية في كل مجال الحياة ثم يغترب ويعيش مع عائلته الصغيرة بلندن بعيداً عن العراق الذي احبه حد العشق.ونلتقي به عن بعد ! نسأل عنه ويسال عنا وتتأزم الحياة بنا بما وقع على مسرح العراق الكبير ويظل المخلصون وفي المقدمة"رافد" وامثاله يتفنون بما كان من اجل ما سيكون .. لكن ذاك التصور وذاك الامل ظل حلماً فقط! يفارقنا ذاك الانموذج الكبير ونبكي بعمق ساخن بلا دمع.. بل بمرارة ولا يخفف وطأتها ولذع طعمها الا استذكار حياتنا الحلوة التي كان رافد نجمها الساطع الطبيب والإنسان والفنان الزاهر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram