حادث مثير في مكتب الزعيم قاسم
في مثل هذا اليوم من عام 1958 وقع حادث غريب ومثير في مكتب زعيم الثورة، ورئيس الوزراء، ووزير الدفاع عبد الكريم قاسم ، مع الشخص الثاني في قيادة الثورة عبد السلام محمد عارف الذي تم عزله عن مناصبه القيادية اثر خلاف حاد بينهما، لا مجال للحديث عنه في هذه العجالة.
اللواء فؤاد عارف متصرف لواء كربلاء آنذاك، كان الشاهد العيان الوحيد على ما جرى في مكتب الزعيم عبد الكريم قاسم في وزارة الدفاع في ذلك اليوم .. حيث يقول الأستاذ فؤاد في مذكراته ما نصه : ".. دخلنا أنا وعبد السلام عارف مبنى وزارة الدفاع ، ولم يكن عبد الكريم قاسم قد وصل بعد ، فانتظرناه في غرفة احمد صالح العبدي، الحاكم العسكري العام ، فطلبت منه أن يتصل بالزعيم عبد الكريم قاسم ويخبره هاتفيا أننا في انتظاره، وفعلا اتصل به ووصل عبد الكريم قاسم بعد نحو نصف ساعة ، فطلبت من احمد صالح العبدي أن يدخل عبد السلام عارف على عبد الكريم قاسم ، إذ فضلت ألا ادخل معه ، ربما كانت بينهما بعض الأحاديث أو أشكال العتاب الشخصي ، فلبثت في غرفة احمد صالح العبدي، ولكني وجدت عبد الكريم قاسم يخرج من غرفته ليدخل الغرفة التي كنت جالسا فيها وأنا انتظر، فامسك بيدي وقال: "يا فؤاد أنا أحب أن تكون حاضرا معنا في هذا اللقاء". فدخلت معه إلى غرفته، واستنتجت انه أراد أن أكون معه ومع عبد السلام من دون احمد صالح العبدي". ويستطرد اللواء فؤاد عارف في مذكراته واصفا ما جرى بدقة:".. أما كيف دار النقاش والمعاتبة بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وكيف انتهيا ؟ فقد فكرت مع نفسي أن اتركهما وحدهما قليلا قد تكون بينهما بعض الأسرار، فاستأذنت للخروج. وما أن خرجت من الغرفة ودخلت غرفة السكرتيرية حتى .. سمعت عبد الكريم قاسم يناديني من غرفته التي تؤدي إلى غرفة السكرتير قائلا:" أين أنت ذاهب يا فؤاد؟"، فعرفته انه لا يريد أن اتركهما لوحدهما أو ربما كان يخشى أن يبقى مع عبد السلام عارف وحده، فعدت فورا إلى غرفته وأوصدت ورائي وتشاغلت عنهما بالنظر إلى بعض الصور المعلقة على الجدار والنقاش دائر بينهما وأنا أتنقل من صورة إلى أخرى.. وفجأة وجدت عبد الكريم يصرخ قائلا:"ولك أنت شد تسوي؟" أي "ماذا تفعل؟" فالتفت إلى عبد السلام عارف وإذا به قد سحب مسدسه وهو يهجم على عبد الكريم قاسم ممسكا به وما كان مني إلا أن انقضيت بدوري على يد عبد السلام عارف و أمسكت به ثم بدأت الوي ساعده حتى أخذت المسدس منه وكان يحاول المقاومة ولكني سيطرت عليه فسقط على الأرض وهو يبكي.." هل كان عبد السلام عارف حقا ينوي اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم، ولمصلحة من؟ وهل أن الأول كان يسعى منذ اليوم الأول للثورة لجعل عبد الكريم قاسم وسيلة له لكي يجتاز به المرحلة الصعبة من الثورة لكي تلصق به الأخطاء التي قد ترتكب باسمها ليجد الطريق أمامها معبدا اتجاه تسنم الحكم أم ماذا؟! أسئلة كثيرة لم يجب عنها قائد الثورة لأن الزعيم كان يصيح أثناء الحادثة قائلا:" لولا فؤاد اغتالني عبد السلام" في حين أجاب الأخير انه لم ينوِ قتل الزعيم، وانه سحب مسدسه لكي ينتحر، الأمر الذي دفع الزعيم للقول "إذا كنت تريد أن تنتحر فانتحر في بيتك أما هنا فإنك قد سحبت مسدسك في حضور رئيس الوزراء وهذه جريمة تحاسب عليها"، كما يروي ذلك نصا اللواء فؤاد عارف. هل كان الزعيم متأكدا من أن عبد السلام عارف ينوي اغتياله عندما سحب مسدسه؟! وهل جاء إصراره على إبقاء اللواء فؤاد عارف بجانبه أثناء مقابلته لعبد السلام عارف في محله لأنه كان يخشى غدره؟ أسئلة عديدة ظلت حبيسة الصدور التي ذهبت إلى القبور من دون أن تبوح بها لأحد، لاسيما ان الزعيم عبد الكريم قاسم عرف عنه حفظه للأسرار وكان "كتوما جدا".