TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > مرحبا، يا فنون...

مرحبا، يا فنون...

نشر في: 21 يناير, 2011: 04:56 م

سميرة المانعلندنجئنا، إلى هذا المكان،  بعد طول انتظار،  وبعد شدّ وجذب بالسياسة عن طريق وسائل الاعلام وتضارب الأخبار والتعليقات والوجوه المتخاطفة في الفضائيات. أضعنا وقتا طويلا في النقاش والجدال،  حتى تفرقت سبلنا وتشتت شملنا، صار الواحد منا يتجنب رؤية الاخر أحيانا.السياسة، على اهميتها، لم تزد الطين الاّ بلّة بسبب طبيعتها المصنوعة من الكلام والمزيد من الكلام.  صار الوضع في البلاد شبيهاً ببناءٍ،  آجرّه من دون ملاط، يقع على رؤوس أصحابه في أيّة لحظة.
لِنعترفْ أن الصراع السياسي موجود في كل البلدان، لكنه في البلدان المتطورة المستقرة لا يشغل الشعب نفسه في السياسة طيلة الوقت، وانما يكتفي بالاهتمام بها اثناء فترة الانتخابات البرلمانية فقط،  مزكّياً مَنْ يمثله، تاركا الأمر للنائب عنه بعدئذ.  وعندما  ينقض النائب وعوده  الانتخابية له، يبدأ بالتذمر والشكوى من الوضع  بعد تردي الخدمات وارتفاع الاسعار وغيرها،  ثم يمتنع عن انتخابه في المستقبل.  يعود الشعب إلى حياته الطبيعية مهتمّاً في تنظيم أموره العائلية والحياتية الاخرى مشغولا بالفعاليات والمهام  ابتداء بالوظيفة إلى الهوايات كالرياضة، الثقافة، والفنون المتعددة الانواع والاشكال.تبدو الهوايات الأخيرة  مصدّاً  للمجتمع من أن يتهاوى كسفينة تصطدم برصيف الميناء نتيجة الصراع السياسي. هذا المصدّ  يحيط  بجدرانها  لكنه ليس جزءأ من ماكنة السفينة المبحرة إلا أن وجوده يشكل نجاتها.لا ندعي أننا أول من انتبه إلى ضرورة عدم انغماس المجتمع  كله في السياسة والتفرقة الدينية الشبيهة بها،  فقد ُذكر أن الملك فيصل الأول عندما جاء ليحكم العراق في بداية تأسيسه، أوائل العشرينيات من القرن الماضي، ادرك خطورة انقسام الشعب إلى ملل ونحل وشيع، والعراق، والحمد لله، يعج بها فقال ناصحا:" المسلم مسلما في الجامع، اليهودي في الكنيس، والمسيحي في الكنيسة، أما إذا خرجوا للشارع فالجميع عراقيون فقط". هذه حكمة أفادتْ وطمأنتْ أبناء الشعب وهكذا هدأوا وبدأوا مسيرتهم التي نعرفها في السنوات الأولى من تأسيس الدولة. أما الشخصية العراقية الثانية التي لا يُنكر فضلها في تلك الفترة فهو الأب الراهب انستانس الكرملي 1848 - 1947  العالم اللغوي وصاحب مجلة ( لغة العرب). علّق على حائط مجلسه، حيث يلتئم الباحثون، قطعة مكتوبا فيها: " لا نقاش في السياسة أو الدين" وكان واعيا لما يؤجج مثل هذا النقاش من مشاعر، لو ُفتح بابه، وبذا تضامنوا وتحابوا واتفقوا مع  بعضهم البعض، حينها، رغم الاختلاف بالاديان التي توارثوها أبا عن جدّ، قبل ان تتدخل السياسة الحمقاء بعدها لتؤجج الانقلابات العسكرية والتطرف والتعصب والاحتقانات  المملوءة بالكره، ليكتوي العاقل والمجنون.يميل البعض للاعتقاد أن الشعب ، قبل كل شيء، في حاجة للُّحمة الوطنية، وهي ليست الشراكة والمحاصصة السياسية في الحكم أو الوحدة التي يميل إلى استخدامها السياسيون في المنطقة.  الواقع ُيثبت، بعد التجربة، أن هاتين الوصفتين ليستا سوى شعارات غير دائمة الخضرة، كثيراً ما انهارت بين عشية وضحاها. إنها مختلفة عن اللحمة الوطنية والوشائج المتوفرة بشكل عفوي وطبيعي عادة  بين ابناء الشعب الواحد، والتي مصدرها الذاكرة الجمعية والتاريخ المشترك والمصير الواحد.  كل هذه  القوائم المشتركة موجودة فيما بينهم تحميهم من التفكك والانحلال، تربطهم وتقرّبهم من بعضهم بعضاً بصورة  هوية دائمة، مثلما قربت المطربة ام كلثوم،عن طريق الفن مَثَلاً، أبناء المنطقة من الشرق إلى الغرب ،  كذا ينطبق الأمر على  ادباء الشعب المعروفين والرسامين والموسيقيين وهلمّ جرّا. يدفعنا هذا للاعتقاد أن حاجة الانسان للفنون حاجة عضوية، تضاهي حاجته للطعام الصحي والماء النقي . ولن  يكون الانسان البدائي في العصر الحجري أكثر قدرة منا على فهم دوره عندما ملأ جدران كهوفه بالرسوم والتخطيطات، منتبها إلى قدرتها على بعث الجمال واظهار الحب والانسجام والبهجة.لدينا تجارب الامم قبلنا ، كيف امتزجت الفنون والعلوم، مع التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي فيها، كيف خُلدت تلك الحضارات بعد اندثارها مثل الحضارة السومرية والبابلية والاشورية ، والفرعونية والإغريقية  والمايا في اميركا الوسطى وغيرها. لم يبق منها سوى آثارها الأدبية و التماثيل الفنية ومشاهد المعمار في المعابد وابنية  المسارح وأكبر شاهد على ذلك ما أكتشف في مكتبة آشور بانيبال. والان ، أشك في أن ينسى المرء منظر جمال البطة السومرية السمراء المعروضة في المتحف البريطاني اليوم،  بعد رؤيتها منحوتة  بدفء،  من حصاة سوداء، أو منظر العنزة اللازوردية  في هذا المتحف أيضا المتسلقة غصنا ذهبيا  وهي من آثار اكتشافات حفريات مدينة أور في سومر. في عصرنا الحالي لا تكف الدول الواعية عن الاهتمام بإقامة المتاحف والمكتبات، معارض الرسم، المسارح، السينمات، قاعات الموسيقى .. الخ. أصبحت الأوساط الثقافية إذا ما أرادت النيل من شخص ما أن توصمه بعبارة : إنه شخص لا يملك خيالا ". و

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram