TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > لا زمن محدداً للأصالة الفنية

لا زمن محدداً للأصالة الفنية

نشر في: 21 يناير, 2011: 06:27 م

عبد الأمير عجاممنذ ان عدت للاقامة في العاصمة الاردنية عمان التي آوتني ايام العمل الثقافي والفكري ضد نظام صدام الديكتاتوري 1994-2003، وانا شبه مدمن في سيارتي المستأجرة الصغيرة على الاستماع لاذاعة الجامعة الاردنية، ذلك انها توفر فسحة للنغم العربي الجميل.
وان تكون للجامعة، اي جامعة، مؤسساتها الثقافية والتربوية العامة، هو امر حسن لجهة الاتصال بين الجامعة والمجتمع، ومؤشر على سعة حضورها وتاثيرها خارج الحرم الجامعي الى اوساط اجتماعية اوسع، وأن تكون لها اذاعتها الخاصة، يبدو ذلك ترجمة لنهج توسيع دائرة التأثير الثقافية والتربوية، وان تكون لتلك الاذاعة لمستها الخاصة في الموسيقى والنغم فهو تأكيد على ضرورة ان تكون الجامعة حصنا للمعرفة والاصالة، لجهة ان الاذاعة تحاول ان تقدم نمطا من الاغنيات والموسيقى ما يثري الاصالة ويدافع عنها.ان المستمع لهذه الاذاعة سرعان ما سيكتشف انها تخصص فسحة للنغم العربي في اوقات تألقه الذهبية الممتدة ما بين اربعينيات القرن الماضي وصولا الى آواخر سبعينياته.انها تتوقف كثيرا عند نتاج فيروز والرحابنة (على الاقل في الفترة الصباحية)، وتعرض لاغنيات من اسمهان وفائزة احمد ووردة الجزائرية ونجاة الصغيرة، فيما يكون المساء ملعبا خاصا لمطولات عبد الحليم حافظ وفريد الاطرش وعبد الوهاب وام كلثوم.واذاعة الجامعة الاردنية ، وإن كانت تحاول ان تتلقف بعض عناصر الجودة الموسيقية والغنائية في جديد النغم العربي، الا انها تظل "محافظة" في مزاجها الموسيقي والغنائي حين لا تنفتح على النغم الجديد وعناصر الجمال والرقة فيه ليست قليلة، حتى لتبدو ذائقة القائمين على قسم الغناء والموسيقى فيها وكأنها توقفت عن فترة معينة وتحديدا عن ملمح ما من الغناء العربي الرصين، الا وهو الغناء المصري ايام ما بات يطلق عليه اصطلاحا صحافيا "زمن الفن الجميل"، فيما لا زمن محددا لـ"الفن الجميل"، فمثلما كان هناك عبد الحليم حافظ وعبد الوهاب في فترة ما، كان الى جانبهما احد ملامح "الرداءة" المبكرة  في الغناء العربي الا وهو أحمد عدوية، والأمر في الوقت الراهن ايضا، فمثلما هناك فن غنائي "رديء"، ثمة مجتهدون في عصرنا ولهم لمسة ما من الرقة والتهذيب في التعبير عن المشاعر.وهناك رأي سائد هذه الأيام عن الغناء العربي القديم بوصفه اصيلا ورفيعا، وهو كلام فيه حكم مطلق ويفتقر إلى الدقة، مثلما هو ذاته الكلام عن غناء هذه الأيام بوصفه رديئا، فلا كل القديم رفيع المستوى واصيل ويرقى بالذائقة، مثلما ليس كل الجديد سطحيا ورديئا وأوصل الموسيقى العربية الى الحضيض.وعودة سريعة الى ايام " عمالقة الغناء العربي" تشير الى نماذج سطحية وساذجة في الكلام واللحن والصوت، فلا وجود ام كلثوم منع غناء من نوع " انا لسه نونو" و " رنة خلخالي" للمطربة رتيبة احمد، ولا وجود محمد عبد الوهاب منع ظهور اغنية مثل " ابوها راضي" للمطرب صالح عبد الحي مع ان الأخير هو صاحب " ليه يابنفسج" التي لحنها رياض السنباطي .بالمقابل تحرم النظرة السريعة وغير المنصفة الى جديد الغناء العربي، تجارب لمطربين ومطربات حقها في ان تنال تقديرا هو ما تستحقه فعلا لما جاءت به من علامات موسيقية لافتة في اللحن والكلام والاداء على الرغم من الفوضى السائدة، والتي تجعل " الأخضر بسعر اليابس".صحيح ان يقول القائمون على  الغناء والموسيقى في اذاعة الجامعة الاردنية، ان بامكان من يبحث عن الجديد في النغم ان يذهب الى اذاعات اخرى، ويجد فيها ضالته، لكن هذا المقياس لا يبدو صحيحا في الاطار النقدي الموسيقي والفني، فثمة تجارب غنائية وموسيقية معاصرة عربية  كثيرة تعاني العزلة والتغييب، وتبدو الاذاعة المكان الطبيعي لها انطلاقا من حرص الاخيرة على ان تكون  فسحة للنغم الجميل والاصيل، وهناك نتاج موسيقي وغنائي عربي جديد ورصين ما يمكن له ان يملأ ساعات بث طويلة من خلال اثير اذاعة الجامعة بدلا من اعادات تثير الملل لمطولات عبد الحليم حافظ كل مساء.ان "الانغلاق" على عصر معين في الغناء الموسيقى يبدو مثل الانغلاق على عصر معين في العلوم والبحوث الاكاديمية، وهو ما لا ينسجم مع اساسيات البحث العلمي المنفتح على المعاصر في الفكر والمعرفة، تلك الاساسيات التي بنت عليها الجامعات المعاصرة صروحها العلمية والمعرفية. ان الجمال والاصالة لا اطار زمنيا جامدا لهما، وهما ملمحان حاضران في الموسيقى العربية المعاصرة وإن في مساحات تبدو ضيقة قياسا بالعابر والسريع والصاخب من النغم، وبامكان الاذاعة حين تنفتح عليهما ان توسع مساحة الفسحة التي التزمت الاطلالة من خلالها على الجمهور: فسحة النغم الجميل.ali@aliabdulameer.com

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram