هاتف جنابيوارشوإن كانت فيسوافا شيمبورسكا قد دخلت التاريخ من أوسع أبوابه وأكثرها جمالا وخلودا بحصولها على جائزة نوبل في الأدب (1996)، فإنها ورغم شيخوختها الجسدية، ما تزال فتية على صعيد الشعر والحياة الثقافية البولندية. حتى لو نُظِرَ إليها على أنها أصبحت شاعرة كلاسيكية،
بحكم عمرها وعلو قامتها الشعرية، تبقى حاضرة في غنائم الحداثة المتمثلة في وسائل الاتصال الحديثة. حتى لو أصبحت قطعة أثرية في متحف الأدب والإرث الوطني والملازم المدرسية، ستبقى قطعة نفيسة متحركة لا في الحياة الثقافية البولندية والأوروبية وحسب، بله في بلدان أخرى بعيدة، مثل بلادنا.rnتكريم المبدعينهكذا يتعامل العالم المتحضر، تعامل الأبطال، مع مبدعيه، موفرا لهم، قدر المستطاع، مستلزمات الحرية والحياة والإبداع. إنهم بمثابة بطاقة التعريف بهذا البلد أو ذلك.عادة ما يسافر المسؤول الأوروبي وهو مدعوم معنويا من منجزات بلاده ورموز مبدعيها، من خلال ما قدموه لسمعة بلدهم(بلدانهم). فكلما كان البلد غنيا بثقافته كان الاحترام له أكبر. نفس الشيء ينسحب على الرياضة، لقد عُرِفَتْ البرازيلُ بقهوتها وكرة القدم، لكن بلدا عريقا وجميلا وغنيا مثل تشيلي قد عُرف بديكتاتوريته البغيضة، مثلما اشتهرت بلادنا حديثا بسفاحها السيئ الذكر، وكما يشتهر المسلمون اليوم بالإرهاب. عادة ما يقال هذا بلد شوبان وفايدا وغروتوفسكي، وذاك بلد دوستوييفسكي وتولستوي وتشيخوف وستانيسلافسكي وتشايكوفسكي وغاغارين، وذاك بلد شكسبير وبروك، وفرنسا بلد الفن والشعر والجمال، وألمانيا بلد غوته وريلكه وهيغل، وأسبانيا موطن سرفانتس وبيكاسو، وأميركا واليابان بلادا التكنولوجيا والبحث العلمي، وهلمّ جرا. حينما يشار إلى العراق حاليا تتبادر إلى الذهن مفردات من قبيل: الفوضى العارمة، الإرهاب والميليشيات وفقدان الأمن، انقطاع التيار الكهربائي، نظام شبه ديمقراطي، انحسار الحريات الفردية والعامة، ولادة سلفية جديدة أخرى، خصوصا في الوسط الشيعي، الحزن والكآبة، الفساد والتفريط بثروة الشعب بصرفها على المسؤولين والمناسبات الدينية المبالغ فيها الخ. لكن، ماذا يجري على الصعيدين العلمي والثقافي؟ الجواب: صفر! هكذا يتراءى المشهد للبعيد، إقليميا ودوليا. وضعٌ مريع، ُينذرُ بعتمة مقبلة ودورة جديدة من المظالم والقمع والرحيل إذا ما استمر واقع الحال على ما هو عليه الآن. كان هذا الاستطراد الجاحظي ضروريا للغاية للتنبيه قبل فوات الأوان، لأننا لسنا مع تجريد الثقافة من آفاقها الروحية والإنسانية والجمالية وحصرها في إطار ضيق. فالإنجازات الثقافية والعلمية الحقيقية هي الكنز الأمثل والأكثر ديمومة وحيوية في تاريخ الشعوب، ومنها يستمد السياسيون قوتهم داخلا وخارجا، أ فهل يفقهون؟في هذا الإطار الشرفي وبهذه الروحية العالية يتعامل البولنديون مع شيمبورسكا الشاعرة التي جلبت الشهرة والرفعة لبلادها. لا تحتاج فيسوافا شيمبورسكا - المولودة في الثاني من تموز 1923 في غرب بولندا/ سبق أن ترجمنا لها مختارات شعرية صدرت قبل سنوات بطبعتها الثانية المنقحة والمزيدة عن دار المدى- أقول، لا تحتاج إلى تعريف، بل إلى تسليط الضوء على الأسلوب الرفيع للتعامل مع المبدعين في أوروبا والعالم المتحضر. لابدّ من التنويه في هذا المقام، إلى أن أكثر من ست مدن بولندية تتسابق فيما بينها في تقديم الجوائز والمنح المادية للمتميزين من الشعراء والكتاب والفنانين. حتى جاوزت قيمة الجائزة المادية (20) ألف دولار سنويا للأوائل في كل حقل. ناهيك عن الجائزة الأدبية السنوية الكبرى"نيكا"(بحدود أربعين ألف دولار). أما عددُ المسابقات والمهرجانات والنشاطات الفنية - العلمية - الثقافية فلا يحصى!تعيش شيمبورسكا منذ عشرات السنين في مدينة كراكوف العريقة الواقعة جنوب بولندا. تمتاز الشاعرة بدماثة الخلق والبساطة في كل شيء وتجنبها للأضواء التي ما انفكت عن ملاحقتها. احتراما لها وللمكرمين معها للسنة المنصرمة 2010 ، حضرَ، في السابع عشر من كانون الثاني 2011 ، قادما من العاصمة وارسو إلى كراكوف، خصيصا، الرئيس البولندي برونيسواف كوموروفسكي بمعية عقيلته ووزير الثقافة البولندية وبحضور أسقف مدينة كراكوف ونخبة من الأكاديميين والمثقفين والمسؤولين وممثلي وسائل الإعلام. بهذه المناسبة، أقيم احتفال كبير في القصر الملكي الشهير المسمى "فافَلْ"، حيث يرقد أهم عظماء بولندا وملوكها. كانت شيمبورسكا نجمة الحضور، رغم أن رئاسة الجمهورية قد كرمت معها نخبة من المبدعين(29 مبدعا)، ولعل من بين أكثرهم شهرة، نذكر: الممثلة والمخرجة المسرحية كريستينا ياندا، الممثل المسرحي يانوش غايوس، الممثلة المسرحية أنّا بولوني، الممثلة مايا كوموروفسكا، ويزي سكوليموفسكي(مخرج، ممثل، شاعر ورسام)، والمخرجة السينمائية أغنيشكا هولاند وآخرين.rnلست متكلمة إطلاقاً قالت الشاعرة فيسوافسكا في حفلة التكريم: السيد الرئيس، لست متكلمة إطلاقا، لكنني أود القول: لقد قابلنا شيء غريب، لأننا نحن جمعيا ها هنا، نعمل ما نرغب القيام به، وفوق ذلك نحصل على الأوسمة. أجابها رئيس الجمهورية قائلا: كلنا نعرف، أنه من الصعب إقناع السيدة بالقيام بأية أدوار ك
الثقـافـة هـي الانجاز الاكـثـر ديمـومـة فـي تـأريـخ الشـعـوب
نشر في: 22 يناير, 2011: 05:32 م