اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > الانتحــار حرقــاً أو تفخيخـاً

الانتحــار حرقــاً أو تفخيخـاً

نشر في: 26 يناير, 2011: 05:47 م

عبد الزهرة زكيكان انتحار بو عزيزي، حرقا، رسالة انطوت على أكثر من بعد..لكنها الرسالة الأكثر بلاغة، حينما كانت شرارة لإسقاط نظام سياسي بعد تفجيرها غلياناً شعبياً احتجاجياً عارماً.الرسالة تعززت قيمتها بما آلت إليه من نتائج، وإلا ففي مكان آخر وفي ظروف أخرى كان من الممكن أن يمر موت بائع جوال مرورا عابرا، يُنسى معه بو عزيزي وتُنسى تضحيته.في جانب آخر من فحوى الرسالة هو بعدها الآخر الذي يضعها، يضع عملية انتحار بو عزيزي، في مقارنة مع انتحار مفخخي القاعدة، فيفضح البعد الإجرامي الذي يكون معه النيل من حياة الآخرين هدفا أساسيا لاستهتار مفخخ القاعدة بحياته ومن ثم بحياة الآخرين.
لكن كلا الحالين، حال انتحار بو عزيزي وحال انتحار مفخخي القاعدة يضعان العالم أمام صورة الزهد العربي الدراماتيكي بالحياة واليأس منها..وهذا نتاج لتعسف السلطات وتدميرها لأي معنى سام ورفيع للحياة ولشيوع ثقافة تمجيد الموت واحتقار الحياة، وهي ثقافة تجد من يروجها فيشوه مفاهيم الناس كما يشوه بها مفاهيم الدين والثقافة الإجتماعية.وليس أدل على شيوع هذه الثقافة من جانب، وأدل على ظلم السلطات واستبدادها وطغيانها وما ينجم عنه من ضياع فرص العيش الحر الكريم من جانب ثان، ليس ثمة ما هو أدل على هذين الحالين من هذا التكرار الغريب المستمر لتقليد ظاهرة بو عزيزي في أكثر من مكان عربي.ظروف انتحار بو عزيزي هي ليست ظروف انتحار مقلديه..بو عزيزي نجح في أخذ زمام المبادرة مما أوقع التالين في مأزق التقليد.لكن ومهما تفشل محاولات التقليد الانتحاري، حرقا، في تأليب الرأي العام للثأر لها وإعادة إنتاج التجربة التونسية..فإنها تضع المجتمع والسلطات أمام مسؤولية التفكير بطرق أكثر جدية بالحياة التي باتت لا تطاق في أوضاع مزرية ومهينة وتفتقر إلى الحد الأدنى من اشتراطات العيش الإنساني الكريم المتاح في مجتمعات أخرى والذي بات يعرفه العربي في عالم اتصالي مفتوح وينظر إليه بعين تقارن وبإرادة عاجزة وبذات كسيرة، كما عبر عن ذلك أمين عام الجامعة العربية في كلمته في القمة الاقتصادية التنموية الاجتماعية الأخيرة.الانتحار هو المنفذ الاحتجاجي الوحيد في بيئة سياسية واجتماعية لم تعد توفر منافذ للاحتجاج غير هذا الأسلوب من الاحتجاج السلبي..هذه مشكلات مضخمة لغياب الديمقراطية والحريات الذي أسهم بصنع مفخخي القاعدة ومن ثم صناعة البوعزيزيين.في الحرب مع إيران كان اعتداء الجنود على أجسادهم، بتر أصابعهم أو أقدامهم أو أكفهم هو المنفذ الممكن المتاح للتخلص من الحرب ومن الموت فيها حيا أو ميتا..لكن كان ذلك مما سمي في الجيش بحالات إيذاء النفس بعد تنبه السلطات حينه على تكرارها وأخذها طابع الظاهرة، فكان الجندي يعاقب عليها بوصفه متخاذلا وجبانا.الحريات وحدها توفر إمكانية التعبير الحر والشجاع عن الجوع وعن الخوف وعن المعاناة وعن الاحتجاج على كل هذا بصوت مسموع يسمح للسلطات العادلة وللمجتمع العادل أن يعدل في سياساته ويغير في خططه بما يؤمن للمحتاجين كفايتهم مما يحتاجون إليه..بينما الاستبداد والخوف والصمت على المظالم هي ما سمحت لهذه العاهات بالتضخم السري وباعتمالها في الجسد الاجتماعي لتنخره وتنفجر في أية لحظة يكون معها الانفجار خيارا لا خيار سواه.لم تكن أمام المنتحرين البوعزيزيين حتما سوى هذا المنفذ الذي فتحه لهم الرائد بوعزيزي..لكن مجتمعا وأنظمة تحتقر الحياة إلى هذا الحد لا يمكن لها أن تنتج حياة محترمة ويعتد بها.وبهذا تكون المجتمعات العربية وأنظمتها السياسية أمام مسؤولية التفكير الجدي بتجربة تونس والخروج منها بحلول، حلول لا تفكر بدحر التجربة وطمرها، فحتى وإن حدث هذا الطمر فإن فرص تكرار التجربة ستظل متوفرة لتكون عودتها بإطار آخر أكثر دموية ودراماتيكية هو النتيجة التاريخية التي لا محيد عنها..المهم هو التفكير ايجابيا بالمعطيات وتوسيع افق الحريات الديمقراطية والتخفف من القبض على السلطة وعلى ثروات المجتمع وفرصه بعيش حر وكريم، ليعود الإنسان العربي إلى ذاته المعافاة والى حياة يعتز بها ويفكر بالدفاع عنها بدل التفكير باحتقارها إلى هذا الحد الذي يشكل عارا للنظام السياسي والاجتماعي العربي الراهن.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram