المدى الثقافي تنشر المدى رأي الناقد والمعماري خالد السلطاني في موضوع دار المعمارية العالمية زهاء حديد الذي يتعرض الى الإهمال، من دون تدخل من المؤسسات الثقافية، بالحفاظ على هذا الإرث.. وهي فرصة لفتح باب المناقشة والحوار في موضوع الاهتمام برموزنا وشواخصنا الثقافية وحمايتها من العبث.
د. خالد السلطانيمعمار واكاديمي... وزهاء، الواردة في العنوان، هي طبعاً، "زهاء حديد": المعمارة المتميزة والمجددة، ذات الشهرة العالمية الواسعة؛ و"دارتها"- هو بيتها البغدادي، الذي ولدت فيه بتاريخ 31 تشرين الاول 1950، وترعرعت به، قبل ان ترحل الى لبنان، لدراسة الرياضيات في الجامعة الامريكية ببيروت، ومن ثم الى المملكة المتحدة، سنة 1972، لكن هذه المرة لدراسة العمارة، التى نالت شهادة تخرجها عام 1977، من "مدرسة العمارة التابعة للجمعية المعمارية" AA school of Architecture العريقة بلندن، المعروفة اختصارا بـ "AA"،. وقد انضمت مباشرة عند حصولها على دبلومها المعماري، الى مكتب استاذها "ريم كولهاس"، لكنها سرعان ما تركته لتؤسس لنفسها، بعد ذلك، مكتبا استشاريا خاصا بها عام 1979. ومنذ نجاحها المدوي، في مسابقة مشروع (القمة) Peak في هونغ كونغ عام 1982، باحرازها المرتبة الاولى، عرف العالم المهني مقاربتها المعبرة شديدة االتميز، التى ظلت على امتداد سنين طويلة تسعى وراء انضاج لغتها، مرسخة تمثلاتها في مشاريع معمارية، ابهرت الوسط المعماري لجهة جدة طروحاتها التكوينية وقطيعتها مع المتداول التصميمي في آن؛ مستلهمة خصائص مقاربتها من الحفر في اركيولوجية الحركات الحداثية المعمارية بضمنها التكعيبية والمستقبلية، والسوبرماتية، والكونستروكتفيزم، فضلا على اهتمامها ورصدها لخصائص عمارة مجايليها وما قبلهم، وخصوصا اعمال لو كوربوزيه المتأخرة واشتغالات "اوسكار نيماير" التصميمية المتجددة. تتربع، الآن، زهاء حديد، على ارث تصميمي، اجتهدت، بدأب نادر، ان تصوغ عناصره بجهدها الذاتي، ما اهل مكتبها المعماري، ليكون واحدا من اشهر مكاتب الاستشارية العالمية في الوقت الحالي. ان عمارة زهاء، تحضر الآن حضورا بليغاً في المشهد المعماري العالمي، بفضل استثنائية لغتها المميزة، وهي لهذا تشكل أهمية قصوى في تنوعيات منجز ذلك المشهد. وهذه الاهمية تستقيها، كما اشرنا في دراستنا الاخيرة عنها، من كونها ".. تعتبر احدى تجليات مفاهيم ما بعد الحداثة، المفاهيم القادرة، تبعا لخصوصيتها المعوّمة، على إستيلاد مقاربات جديدة ومتجددة. فعمارتها تنزع للتعبير عن مرجعية تصميمية هي خليط بين توق توظيف الاشارات المجازية والسعي وراء الافصاح عن هوى التجريد. انها في هذه الحالة تتخطى حتى اطر مفاهيم المقاربة "التفكيكية"، المتخمة عادة بغرائبية الاشكال التصميمية والمتجاوزة "للتابوات" البصرية. لكن عمارتها مع هذا، (وربما بالاضافة الى هذا)، تظل امينة لتحقيق مفهوم "الازاحة" Displacement في دلالاته التفكيكية، فهي تنزع الى "فك ارتباط" العمارة من خاصية الاستقرار والتموضع. وهذا النزوع يظل بالطبع مشوباً بالمفارقة. ذلك لان الامر كما يقول "بيتر ايزينمان" (وهو احد مناصري المنهج التفكيكي المعماري)، يتطلع الى "نزع شييء من موضعه هو بالاساس متموضع!". انها بالتالي، تدعونا الى نسيان وحتى هجر ما وسم العمارة السابقة من قيم ومبادئ، واحلال بدلا عنها قيماً جديدة تكون متساوقة مع متطابقات العصر، عصر المعرفة المتجددة، والبيئة المعلوماتية المتحكمة بها الالكترونيات, انها باختصار تدفع في اتجاه الغاء قوانين الهندسة التقليدية المألوفة، والتوجه نحو صياغات تكوينية تتحدى قوانين الجاذبية، وتكون متخمة بالالتواءات والانحرافات والهشاشة والتنافر والتشظي وعدم التناغم بين عناصرها التصميمة".تمثل عمارة زهاء حديد، الآن، ظاهرة لافتة في المشهد المعماري ما بعد الحداثي. وتستقي تلك الظاهرة مقوماتها، ليس فقط، من تأثيرات الجانب الايجابي المتعاطف مع خصوصية تلك العمارة، وانما ايضا، بسبب ما تثيره تلك العمارة من سجال مهني وما تحدثه من تباين في الرؤى، لجهة تقبل تلك العمارة، أو رفض لها. فمثلما تحظى عمارتها باعجاب البعض وتعاطفه معها، فهي ايضا تجد عدم اكتراث وحتى انكار، يصل حد الاستهجان، من لدن البعض الآخر من المتلقين العاديين وحتى المهنيين. لكن عمارتها، مع هذا، ماانفكت تعتبر تمثيلا لاوج اللحظة الابداعية في الفكر المعماري المعاصر. ويتساءل المرؤ، كيف قدر لامرأة، (وفوق ذلك، امرأة ذات اصول شرقية!)، ان تحقق بمفردها، تلك الانجازات المعمارية المرموقة؟!. ربما، وحدهم المهنيون، الساكنون في الغرب، او المقيمون فيه؛ هم الذين يعرفوا جيدا حدة سباق الافكار المتصارعة هناك، بوسعهم ان يقيموا، بموضوعية، نوعية المأثرة الابداعية وطبيعتها التى اجترحتها زهاء حديد، عندما ارتقت بعمارتها لتكون حدثا فنيا فريدا ومؤثرا، في الخطاب المعماري العالمي!. اذ لا تزال الغالبية العظمى من المتلقين، تعتقد ان مجرد وجو
أعيـدوا لـنـا "دارة زهــاء"
نشر في: 31 يناير, 2011: 05:10 م