حسين علي الحمدانيما الذي يحدث في العالم العربي ؟ وكيف وصلت الأمور لهذا الأمر ؟ وما هي المعالجات التي من شأنها أن تمتص غضب الجماهير ؟حالة جديدة تسيطر على الشارع العربي ، سواء في تونس أو مصر أو اليمن ، وجميعا تابعنا حتى ساعات متأخرة من ليلة الجمعة ما يدور في مصر وبالتحديد في القاهرة والسويس والإسكندرية ،
التي شهدت موجة غضب شعبي كبيرة جدا تؤكد أن جيل الشباب في مصر يختلف كثيرا عن الأجيال السابقة التي ظلت الأنظمة الحاكمة تسيطر عليها عبر الشعارات التي كانت أغلبها تعزف على نغمة ( القومية ) و ( الحرب مع العدو ) و(شد الأحزمة) .rnوهذه الشعارات في عصر الانفتاح والعولمة وتكنولوجيا الاتصالات لم تعد تأتي أكلها ،والحرب مع العدو لم يعد لها وجود في ظل السلام واتفاقياته ، وسياسة شد الأحزمة باتت من مخلفات الماضي ، وبالتالي نجد ثمة فجوة كبيرة بين الشعب والنظام السياسي ، وهذه الفجوة ساهمت قرارات الحكومة في اتساعها بل تقليصها .ما حدث في ( جمعة الغضب ) هو مزيد من الفجوة بين الحزب الحاكم وقطاعات واسعة من الشعب ، هذه الفجوة تمت ترجمتها فعليا بإحراق مقرات الحزب الوطني الديمقراطي ، وهذا بحد ذاته يمثل ترجمة لحالة الغضب الشعبي التي يجب أن يتفهمها الجميع ، فعندما ينصبّ غضب الجماهير على مقرات الحزب الحاكم يعني في ما يعنيه رفض سياسات هذا الحزب وثمة قطيعة بين الشعب والسلطة .وحقيقة الأمر عند مشاهدتي هذه الأحداث كأني كنت استعيد شريط الانتفاضة الشعبانية للشعب العراقي في آذار 1991 حيث خرج الشعب العراقي منتفضاً ضد النظام المباد محطما مقرات الحزب المقبور ورافعا شعارات الحرية ومطالبا بالعدالة والقضاء على الفقر ، وبالتالي فإن العوامل متشابهة وربما في مصر الآن هنالك عوامل أخرى تساهم بشكل كبير في إظهار انتفاضة الشعب المصري بحكم توفر وسائل الإعلام المتقدمة والسريعة والتي حشدت كل إمكاناتها لمتابعة الأحداث لحظة بلحظة ، يضاف إلى ذلك اهتمام المجتمع الدولي سواء أمريكا أو الاتحاد الأوربي بما يحدث أولاً بأول ، وهذه الدول سارعت بإعلان مواقفها داعية الحكومة المصرية لإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية . وفي عام 1991 لم نجد ذلك الاهتمام الدولي بالانتفاضة الشعبانية والتي تعرضت لقمع شديد من قبل أجهزة النظام المقبور رغم إن النظام البعثي آنذاك سقط فعلا في أكثر من 14 محافظة عراقية يضاف إليها انتفاضة شعبنا في كردستان والتي كان لها الأثر الكبير في إضعاف النظام المباد ومن ثم تبنيها أي تبني حكومة إقليم كردستان فضح جرائم النظام أمام المجتمع الدولي في ما بعد ، وهذا ما يجعلنا نؤكد أن نظام المقبور صدام عام 1991سقط شعبيا، ولكن كما قلنا لا يمكن مقارنة المناخ السياسي العالمي عام 1991 وعام 2011 ، ولا يمكن أن نجد ثمة مقارنة عبر توفر وسائل الاتصالات المتقدمة حاليا .ما أريد أن أقوله إن غضب الشعب عادة ما يكون لمقرات الحزب لكونه مسؤولا عن كل ما يجري في البلد بحكم إنه الحزب الحاكم منذ عقود طويلة .والشيء الآخر الذي ربما غاب عن ذهن الكثير من المراقبين يتمثل بأن الشباب ليس المصري فقط بل الشباب العربي بصورة عامة ، شباب يطمح للتغيير ، ويطمح لأن يجد دوله تتقدم سياسيا واقتصاديا وأن لا تظل تقبع في مؤخرة سلم الحريات وحقوق الإنسان .ورغم إن الرئيس المصري ظهر في وقت متأخر من الليل ليلقي خطابا أو كلمة لم تكن تحمل سوى مزيد من الوعود بالإصلاح مع إقالة حكومة أحمد نظيف ، وربما إقالة الحكومة بحد ذاته لن يرضي المحتجين الذين يطالبون بالمزيد ، والمزيد هنا يشبه إلى حد كبير ما جرى في تونس بإزاحة بن علي من حكم تونس .الغريب في الأمر كان غياب الخطاب الواقعي لدى الكثير من مسؤولي مصر في الساعات الأولى لاندلاع التظاهرات ، وكل ما سمعناه من بعضهم هي محاولة لإفهام المتلقي بأن ثمة ( غوغاء ) يقودون أعمال شغب غايتها نهب المال العام وغير ذلك من التبريرات التي لم تعالج أسباب غضب الشارع المصري .وحقيقة الأمر عمليات السلب والنهب والتي حدثت في أكثر من بلد عربي سواء ما شهدناه في العراق أو تونس أو مصر ، يعكس بالتأكيد الوضع المأساوي الذي تعيشه الشعوب في ظل أنظمة تسرق لقمة عيشها من الأفواه وإلاّ ما الذي يدفع شاب لأن يحمل (أسطوانة غاز ) أو ( جهاز تكييف ) هذا لأنه لا يملكهما؟ .خلاصة القول بأن ما يجري الآن هو نتيجة طبيعية جدا للسياسات الخاطئة التي اتبعتها النظم الحاكمة في بلدانها ، والحلول المتاحة الآن أمام هذه الحكومات قليلة جدا في ظل إن الأزمة اقتصادية وبالتالي إنعاش الاقتصاد لن يتم بعصا سحرية أو أن نقول له ( اتصلح يتصلح ) بل يحتاج سنوات .
مصر ودرجات الغليان
نشر في: 4 فبراير, 2011: 04:36 م