اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > مراجعات ..أيّ كـتــــابـــة نـخـتــــار لـلـعـنـــــف؟

مراجعات ..أيّ كـتــــابـــة نـخـتــــار لـلـعـنـــــف؟

نشر في: 6 فبراير, 2011: 05:08 م

ترجمة: إيمان قاسم ذيبانلقد تطرق كثير من كبار كُتّاب الأعمال الأدبية للعنف طبيعياً كان أم عقلياً ... ولوصفه استعان الروائيون بطرقٍ وأساليب فنية منوعة بدءاً من الحذف وانتهاءً بالوصف الدقيق للغاية. ومهما يكن من أمر، فإن الجميع يهتمّ بالعنف ونتائجه وبالكيفية التي تناولها الأفراد للتعبير عنه.
ويبدو الحديث عن العنف مع الكاتبة السنغالية (ماري ندياي) وكأنه كشف عن اتجاه معاكس لما نراه. فهي امرأة رقيقة أكثر مما نتخيل. وليست فقط هادئة أو جادة ورصينة وهذه هي حقيقتها وإنما متواضعة بعمق ولا تكنّ العدائية للآخرين على الإطلاق. وما أن تلتقي بها تمنحك هذه السيدة الجالسة بتواضع على كنبة من خشب من الهند الاهتمام مع شيء من الطرفة وتجيب على أسئلتك دون أي أثر للقلق أو التهور. ومع ذلك، ثمة عنف مؤكد في كتب هذه المرأة ذات الاثنين والأربعين عاماً وهي تعترف بهذا الشيء أو بالأحرى تؤكد أن قراءها لاحظوا هذا العنصر دون قصد منها في إدخاله. إذ لا يتجسد العنف لديها بوصف اغتصاب أو جريمة بالسلاح الأبيض أو باستخدام أسلوب غير مباشر. فعلى سبيل المثال، يتعلق الأمر في عملها (في مكانٍ ضيق من قلبي) لدار النشر المعروفة غاليمار، بمشاعر ضيق تتولد من مظاهر عدائية وسوء نية وخبث ورفض، وكذلك الشك ليدور في خلدنا السؤال الآتي: هل الجرح الذي وجدته المعلمة في جسد زوجها حقيقياً؟ أم هو الرعب وخوفها الذي جعلها تستشف صوراً مزيفة. ويُعد التردد والشك شكلاً من أشكال العنف وكذلك الانحراف المتطور للأفراد الذين يستحوذ عليهم الشعور بالضيق مثل بطلة رواية (روزي غارب) الصادرة عن دار النشر (مينوي) والحائزة على جائزة فمينا لعام 2001. في الوقت الذي نلاحظ في عملها (هيلدا)، وهي واحدة من أجمل الأعمال المكتوبة في المسرح، شيئاً من الانقياد والعبودية لا بل وحتى الاستعباد لشخص من قبل آخر والمتمثل هنا باستعباد ربة البيت على يد مرؤوسيها في العمل. ويجد في رواية (لوحة فاضحة) خلية عائلية مصفحة بنص يسكب فيه المؤلف قطرات من قلق أصم. مع ذلك، صرحت ماري ندباي في مقابلة لها قائلة: "لا يهمني موضوع العنف فهذا أمرٌ غير مقصود على الإطلاق. بل أقول أن شخوصي لا تستطيع النفاذ إلا عبر عنف الأوضاع التي وصفتهم فيها. وما يهمني بالأساس هو تصوير العنف الذي يولد من الحرمان عادةً".  ترى هل تمتلك هذه الكاتبة صعوبة في وصف الوحشية الغريزية للإنسان؟ ربما ولكن هذا شيء غير مؤكد. إذ تركز الكاتبة في كتاباتها على الشكل وعلى مبدأ الانسجام تماماً مثل مخرج يصور مشهداً عنيفاً، فهو يمتلك الكثير من الأشياء التي يأخذها بعين الاعتبار مثل الضوء ودرجته وعناصر التصوير التي بالطبع تؤثر على ما يصوره. ولا يُعد مصطلح التركيز على الكتابة أنموذجاً جاهزاً بالنسبة لهذه المرأة التي كرست نفسها ومنذ صباها للأدب بشكلٍ كامل. فقد اجتازت، وبعد نجاح روايتها الأولى (بالنسبة للمستقبل الباهر) الصادرة عن مطبوعات مينوي الشهيرة وكان عمرها آنذاك سبعة عشر عاماً، البكلوريا وقررت إيقاف دراستها عند هذا الحد على الرغم من هموم وشجون وقلق والدتها المعلمة المستمر. وتتذكر ندباي فكرة رومانسية مفادها أنها ستكون كاتبة ولا شيئاً آخر. لذا، لم تستمر في إكمال دراستها مانعةً نفسها عن أداء أي شيء آخر غير التأليف. وحول هذا التحديد الأساسي، بنت ماري بالفعل حياة (الكاتبة ماري) إلى جانب زوجها الروائي (جين أيف سندري) وأبنائهم الثلاثة. وكان استقرار هذه الأسرة مبهماً نوعاً ما وهذا هو امتياز الكُتّاب فقد تنقلت أسرتها مراراً في أماكن مختلفة لتستقر ولوقتٍ غير محدود في برلين. وخضعت هذه الحرية، وعلى الرغم من كل شيء، للنظام والالتزام. ولم يسبب إكمال الدراسة أي مشكلة لها. فهي تشعر بما ينبغي فعله وتفعله حتى لو صادفتها أمورٌ أجمل من التأليف. ففي عينيها هذه المهنة هي الالتزام أولاً ولابد لها من تحمل ثقله. ويمكن القول أن غالبية نصوصها تتأتى من صور مرئية قد تأملتها سابقاً. فهي ترصد وتراقب لأشهر دون الاقتراب فعلياً من القلم لترى مدى تأثير مثل هذا الرصد عليها. ويحدث أن تبقى الكاتبة من دون كتابة لوقتٍ طويل وهائمة في قراءة كتابين. إذ تصدر الفكرة الروائية غالباً من مكانٍ ما يمكن أن يهمها مثلما قالت: "لقد ساعدت الأماكن على خلق صور مفيدة للاغتذاء الأدبي. ومن اجل ذلك، لابد من أن تكون النظرة مجددة، فعندما نبقى لوقتٍ طويل ولبضع ساعات، سيصبح كل شيء أقل غرابة وأقل تأثيراً". وما يهمنا هنا هو التذكير بأن فكرة الغرابة تظهر جلية في أعمالها، وهي واحدة من المصادر الأساسية للقوة والمأساة التي يشعر بها القارئ حيث يراود الشخوص، ومعظمهم على الأقل، الشعور بأن الناس أجمعهم يعملون شيئاً ضرورياً يجهلونه بدورهم. وهذا الأمر يخلق مناخاً وشكلاً للعنف. فطالما هذه الشخوص غير متأكدة على الإطلاق من مشاعرها وفي ما إذا كانت قائمة لحد الآن وبالتالي غير أغبياء أو معتوهين. في النهاية، طرحت علينا الكاتبة في أعمالها بأن العنف يقع في الخارج وفي هذا العالم الخداع والمخيب للآمال على الأغلب إلا إنه ومع ذلك يكمن داخل الأفراد وفي خضم حيرتهم وترددهم وشعورهم الداخلي بالفوضى. وهذا ما تسيطر عليه تماماً الروائي

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram