علي نافع حموديإذا كان هنالك حدث تأريخي بمعنى الكلمة غيّر من مسارات بناء الدولة العراقية فيمكننا اعتبار تاريخ الثامن من شباط عام 1963 هو بداية النهاية لحلم راود الكثير من أبناء الشعب العراقي في أن يجدوا دولتهم تقوم على أسس صحيحة في عمليتي البناء المؤسساتي من جهة والاقتصادي المتكامل من جهة ثانية .
والدولة العراقية كما يعرف الجميع مرت بمراحل عدة قبل هذا التاريخ الأسود ، المرحلة الأولى تمثلت بالنظام الملكي وارتباطاته المعروفة وميوله واتجاهاته البعيدة كل البعد عما كان يطمح إليه الشعب العراقي من ثورته العظيمة في الثلاثين من حزيران عام 1920 والتي كانت بحق الثورة التي مهدت لبناء الدولة بمفهومها المعروف ، ولكن الأحداث التي تلت هذا التاريخ من تشكيل وزارات بعيدة عن طموحات الشعب قريبة من الدوائر الاستعمارية ، ساعية لتكبيل العراق باتفاقيات عسكرية واقتصادية تجعل منه تابعا بشكل أو بآخر ببريطانيا سواء بالاستقلال السياسي أو الاقتصادي ، كل هذه العوامل ساهمت كما يعرف الجميع في نضوج وبلورة فكرة الرابع عشر من تموز 1958 والتي قامت لغرض بناء الدولة العراقية بعيدا عما يمكن تسميته بالأجندات الاستعمارية التي أرادت أن يكون العراق تابعا كما أشرنا .وعلى هذا الأساس كان هنالك تفاعل كبير بين الشعب العراقي وثورته الفتية التي تمكنت من أن تعالج الكثير من مواطن الخلل في المجتمع العراقي، فشهد العراق آنذاك جملة من المشاريع النهضوية خاصة في مجالي الصحة والتعليم ، والزراعة التي نهضت كثيرا عبر تشريع الكثير من القوانين التي يمكن أن نعتبرها من القوانين التي فشلت النظم الحاكمة في العراق بعد عام 1963 من أن نتصل إلى درجتها من حيث العدالة والتطبيق والرؤية الاقتصادية المنهجية لاستثمار ما متوفر في البلد من خيرات ، وفي مقدمة هذه القوانين قانون الإصلاح الزراعي الذي ربما نظر إليه البعض نظرة اشتراكية فيما وجده البعض ترجمة لثورة 14 تموز 1958 في أنها انتهت الإقطاعية لكن لم ينظر أحد لهذا القانون على أنه قانون ذو أبعاد اقتصادية كبيرة على الناتج الوطني من جهة ومن جهة أكثر أهمية على إن هذا القانون في حينه قد وفر فرصة عمل لأكثر من مليون عراقي وجدوا أنفسهم أصحاب عمل حقيقي لا أجراء يتقاضون ثمن بخس عن أعمال كبيرة.لهذا فإن إنجازات عبد الكريم قاسم رجل ثورة 14 تموز لم تكن ترضي الكثير من الذين تربصوا بهذه الثورة وحاولوا بين الحين والآخر تشويه ملامحها أو التقليل من قيمة ما أنجزته للشعب العراقي أو ما ستنجزه في خططها القادمة ، خاصة ما يتعلق منه بقطاعات مهمة وخطيرة وهو قطاع النفط استثمارا وتصديرا ، حيث ومن خلال مراجعتي المستمرة للكثير من الوثائق التاريخية نجد بأن هنالك الكثير من القرارات ومشاريع القرارات كانت قد تمت مناقشتها بين (الزعيم عبد الكريم ) والوزراء والمستشارين وأبرزها الشروع بطرح مشروع تأميم النفط العراقي وجعل عملية الإنتاج والتصدير بيد العراق بعيداً عن الشركات البريطانية والهولندية وغيرها من الجنسيات ، والكثير من الوثائق التاريخية تؤكد أن مشروع هذا القانون كان على مكتب الزعيم عبد الكريم قاسم ليلة الثامن من شباط 1963 .لهذا فإن ما حدث صبيحة الثامن من شباط لم يكن ثورة ولا حتى انقلاباً ، بقدر ما كان محاولة لنسف الدولة العراقية الناهضة وإرجاعها عشرات السنين للوراء ،بغية استكمال حلقة للتفرد بالخيرات وإبقاء الشعب العراقي في حالة من الجمود والضياع وهذا ما حصل بعد شباط 1963 حيث دخل العراق في دوامة من الصراعات الدموية ومحاولة بين مراكز القوى داخل من ارتكب جريمة 14 رمضان هذه وآلت في نهاية المطاف لتفرد عبد السلام وانقلابه على ( الانقلابيين) مما يؤكد بما لا شك فيه بأن الغاية الحقيقية تمثلت بحب السلطة والتشدق بها .وما يمكننا أن نقوله للتاريخ : إن الكثير من أبناء الشعب العراقي غابت عنهم الحقائق ، حقائق هذه المرحلة من مراحل التاريخ العراقي ، وهي مرحلة استهداف الدولة العراقية ومنجزات الشعب العراقي من خلال ارتكابهم الجريمة الكبرى في شباط 1963 هذه الجريمة التي لا يمكن أن نقول عنها سوى إنها أنهت تطلعات الشعب العراقي في بناء دولته وفق أحدث ما توصل إليه العالم آنذاك ، لقد سيطرت الشوفينية بكل جهلها على مقدرات البلد وسخرتها لنزواتها وضربت عرض الحائط واحداً من أهم منجزات الزعيم عبد الكريم قاسم وهو قانون الإصلاح الزراعي لتعيد عجلة التاريخ للوراء ولتؤسس لإقطاعيات جديدة ساهمت في تخلف البلد وزعزعة استقراره .
8 شباط .. العودة بعجلة التاريخ
نشر في: 7 فبراير, 2011: 05:11 م