حسين علي الحمدانيهنالك حقائق كثيرة ظلت خافية على أجيال عراقية عديدة ، لم ينفض الغبار عن هذه الحقائق إلا بعد التاسع من نيسان 2003 حيث انكشف الوجه الحقيقي لنظام البعث المقبور ، هذا الحزب الذي تسلق سلم السلطة عبر جرائم عديدة وارتباطات مشبوهة مع دوائر متعددة كان هدفها الأساسي تحطيم عملية بناء الدولة العراقية الناهضة ، هذه الدولة التي بدأت بواكيرها في الرابع عشر من تموز 1958 عبر ثورة الجيش والشعب والتي أسست الجمهورية الأولى في هذا البلد العريق .
وكلما مرت ذكرى الثامن شباط عام 1963 ، نستذكر استشهاد ليس الزعيم عبد الكريم قاسم فقط بل الجمهورية العراقية الأولى التي رأت النور فجر 14 تموز 1958 ، هذه الثورة قضت على الوجود البريطاني من خلال النظام الملكي والكثير من الاتفاقيات المعقودة مع التاج البريطاني والتي كان يراد من خلالها ربط العراق بمنظومة التحالفات العسكرية الكبيرة التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية .وعملية اغتيال ثورة 14 تموز قبل أن تكمل عامها الخامس ، يمثل فيما يمثله وضع حد لطموحات وطنية كانت تنظر للمستقبل بأفق كبير ، وتدعم الشعب وتحقق نجاحات كبيرة في ميادين مهمة ذات مردود إيجابي كبير ليس للمواطن العراقي فقط بل لاقتصاد البلد الذي بدأ يخرج من دوامة ( الإسترليني ) ويتحرر من تبعيات ذلك ويحاول تأسيس اقتصاد وطني قائم على ركائز قوية تدعمه الزراعة وقانون الإصلاح الزراعي الذي يعد من القوانين المهمة جدا التي اتخذتها ثورة 14 تموز وشرعت بها بوقت مبكر مما منحها قوة شعبية لا يستهان بها ، وهذا القانون يمثل قراءة واقعية وصائبة وساهم بالقضاء كليا على رموز الإقطاع في العراق ، وبالتزامن مع هذا صدر قانون رقم ( 80 ) سنة ( 1961 ) والذي يمثل بمثابة قانون لتأميم النفط العراقي حيث أنه حدد مناطق استثمار النفط وانتزاع ما نسبة 95% من الاحتكارات النفطية آنذاك من الشركات الأجنبية ، وكان هذا القانون ممهورا بإمضاء الزعيم عبد الكريم قاسم والوزراء وقد نقل عن الزعيم قوله أننا اليوم نوقع على قرار إعدامنا ! لإدراكه المسبق بأن ما ينفع الشعب العراقي لن يرضي أعداء الشعب الذين سيحيكون المؤامرات تلو الأخرى للخلاص من هذا النظام الذي وضع رفاهية الشعب وتقدمه نصب عينيه .وبالتأكيد فإن إنجازات ثورة 14 تموز 1958 وبزمن قياسي كانت محل اهتمام الشعب العراقي وفي نفس الوقت كانت محل ترقب من قبل قوى خارجية تضررت كثيرا بهذه الثورة حيث فقدت مصالحها في هذا البلد الحيوي والمهم من جهة ومن جهة ثانية بأن زعامة عبد الكريم قاسم للثورة وقيادته الدولة ومعالجاته للكثير من القضايا التي كانت عالقة في البلد بطريقة سياسية ساهمت كثيرا في استقرار البلد خاصة ما يتعلق منها بدوره الكبير جدا في تفهم قضية الشعب الكردي بل وتبنى هذه القضية وعالجها برؤية لم تكن بعيدة عن أرض الواقع بل لا مسته لدرجة أصبح فيها الشعب العراقي يلتف حول هذه الزعامة ، كل هذه أغاظ بالتأكيد القوى الأخرى التي راحت تبحث في سبل شتى للقضاء على هذا النظام في محاولة لعودة مصالحهم من جديد.لهذا كان الثامن من شباط ، يوماً أسود في تاريخ العراق ، لأنه في هذا اليوم بدأت حمامات الدم تملأ لشوارع والسجون فتحت أبوابها لتمتلئ بالكثيرين من الذين رفضوا هذه المؤامرة وقاوموها بقوة ، وعمليات الانتقام طالت الجميع ، خاصة وإن بيانات ما عرف (بثورة 8 شباط) كانت بيانات انتقامية تحريضية صريحة جدا ، ومثلت قمة الوحشية التي يمكن أن يصل إليها المرء في لحظة من لحظاته ، لهذا لم تكن أحداث الثامن من شباط (ثورة ) كما ادعى منفذوها وطبلوا لها في عقود حكمهم المريرة بل بعضهم وصفها بـ (عروس الثورات) وهو لا يعي جيدا وحشية هذا اليوم وحجم ما اقترف به من جرائم بحق القوى الوطنية المخلصة لهذا الشعب الذي تلقى الخبر في هذا اليوم الرمضاني كالصاعقة ولم يصدق ما جرى ، والكثير من أبناء الشعب العراقي راحوا يدافعون بما متيسر بأيدهم عن ثورة 14 تموز وقادتها ولكن بطش القوى المرتبطة بمخابرات بريطانيا وأمريكا آنذاك حالت دون ذلك حيث شهدت الكثير من مدن العراق ما يشبه العصيان أو ما يمكن تسميته بردود الفعل الثورية والتي وأدت في مهدها من قبل جلاوزة البعث الذي تربع على جماجم شهداء العراق فترة أربعة عقود انتهت نهاية مخزية مدوية استقر فيها رمزه العفة في حفر متهالكة ، فيما ما زال أبناء الشعب العراقي ينظرون بفخر لمنجزات عهد الزعيم عبد الكريم قاسم ، هذه المنجزات التي ما زالت شاخصة تملأ الأفق العراقي ، هذه البنى التحتية كالمدارس والجسور والمستشفيات التي ما زلنا نسميها (الجمهوري) والكثير من المعامل كل هذه أنجزت في فترة قياسية جدا هي الفترة الممتدة من عام 1958-1963 ، بينما نجد هؤلاء الوحوش الذين استولوا على السلطة في العراق لم يحققوا خلال 40 سنة من حكمهم أي شيء ولم يخلفوا سوى الدمار والتخلف ومئات المقابر الجماعية ومشاكل اقتصادية كبيرة وبنى تحتية ضعيفة .فيما نجد بالمقابل بأن أبناء تموز 1958 لم يكن أمامهم سوى أن ينهضوا بالعراق شعبا وحضارة ، ويؤسسوا مقومات الدولة الحديثة والاقتصاد المتين والمواطن الشريف ، في شباط 1963 كانت معاول التهديم تبدأ رحلة طويلة تمكنت فيها من أن تحيل هذا البلد لدمار وخراب وتتركه يضمد جراحاته لتنزوي معاولهم في ركن بعيد من زوايا التاريخ المظلم ، ليبدأ الشعب العراقي مرحلة بناء جديدة لا نتمنى أن يتم
الثامن من شباط والنفق المظلم
نشر في: 7 فبراير, 2011: 05:12 م