TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > خواطر عن رحلة انتظرتها 37 عاماً

خواطر عن رحلة انتظرتها 37 عاماً

نشر في: 9 فبراير, 2011: 04:47 م

د.فالح الحمرانيان العمارة كما يلوح لي هي من اكثـر المدن العراقية، ورغم كل النواقص والكبوات، قبولا وارتياحا  للتغير الذي شهده بلدنا بعد 2003 ، فان الضرر الذي لحقها من جراء ممارسات النظام الديكتاتوري المقبور الذي امتد من كردستان الى عمق الجنوب يعادل ومن دون مبالغة ما تعرضت له مدن سوفياتية خلال الاحتلال الهتلري لها خلال الحرب الثانية. فقد دخلت المصائب التي سببتها سياسات النظام المقبور، كما شملت آثار الحرب السوفياتية، كل عائلة وتركت جروحا بالغة في القلوب والارواح.
ان العمارة  التي تلوح متعبة وحزينة بسكانها ومبانيها وأسواقها، مشحونة بالتطلع والامل والتفاؤل نحو المستقبل، نحو حياة افضل واجمل واغنى. ولكن هل ستكون مؤسسات المدينة واداراتها بالمستوى المطلوب لتحقيق تلك التطلعات المشروعة؟.لم تكن زيارتي اخيرا لمدينتي العمارة بعد غياب دام 37 عاما من  الغربة الاضطرارية والمنفى الاختياري هربا من جحيم الديكتاتورية وعسف ممارساتها وخنقها الفكر وحرية الكلمة والرأي، زيارة راحة واستجمام بقدر ما كانت تلبية لنداء القلب والروح لإحياء الصلة والرابطة مع الوطن بصورة عملية، نداء لذلك الشوق الملح للوطن الام للانسان الاخ والصديق وابن المدينة ولتلك الاجواء الصميمية في  المدينة التي حملتها صليباً في كل تنقلاتي، متضامناً معها متفاعلاً ًمع معاناتها وآلامها. وكان اصدقائي الروس قد حملوني الكثير من التساؤلات لكي يتعرفوا على الوضع العراقي عن كثب، ومدى مطابقة ما تردده وسائل الاعلام المنحازة واللاموضوعية عنه.عدت الى مدينة العمارة من موسكو التي تلوح مقارنة بها مضيئة ونظيفة ومبتهجة ومفعمة بالرفاهية، اي بتلك المواصفات التي أحلم ان تكون عليها العمارة وكل مدينة عراقية خرجت من وطأة ظلام الحكم الديكتاتوري وعانت عبث الارهاربيين والمجرمين وأؤلئك الذي مارسوا الفساد الحكومي ونهب مخصصات التعمير والنهضة والاصلاح. لقد تجسدت لي كل ذلك من خلال اللقاءات التي لا تحصى مع مختلف شرائح المجتمع العماري وتعاملي مع الناس.ثقافة التسامح تلوح في العمارة راسخة تتغلغل في تفكير العامة والنخبة من المثقفين. ففي الطريق من البصرة هناك مرقد النبي اليهودي العزير (ع) ، الذي يحظى برعاية واهتمام من قبل الجهات الرسمية وعامة الناس الذين يتوجهون اليه بالدعاء وينذرون له للشفاعة للباري عز وجل، واعتلت في مدخله (ع) السلام لوحة باللغة العبرية. لربما سيكون هذا الموقع  مستقبلا مزارا عالميا ومركزا سياحيا، فغير بعيد عنه ايضا قبر النبي سليمان. وفي العمارة آثار مشابهة أخرى ومازال مبنى الكنيسة قائما دون ان تمسه يد التخريب والعدوان، وأبناء الطائفة المندائية يمارسون حرفتهم الاثيرة"الصياغة" والاعمال الاخرى بحرية ولم تعرف المدينة ما حاولت قوى ظلامية زرعه من اختلاف بين ابناء الشعب الواحد من المذهبين الشيعي والسني. ان كل هذا يحتاج الى مزيد من الاهتمام من قبل الجهات المعنية لتحديث المباني  واصلاح ما حولها لتعميق شعور جميع الطوائف بالتآخي والانتماء للوطن الواحد.ان الأداء الفاشل للنظام الديكتاتوري في سنوات الحصار العجاف واستثمارها لإذلال الانسان العراقي واخضاعه بقوة لمشيئة الحاكم المتهور، ومن ثم التطورات السريعة والمتلاحقة تركت تداعياتها السلبية على الجانب المعماري في المدينة. لقد عدت الى مدينة اخرى غير المدينة التي كنت أحنّ لها خلال الـ 37 عاما السابقة، ولم اجدها على احسن حال، فهناك فوضى فاضحة في توزيع الحوانيت واصطفافها، وآثار التهديم مازالت تخيم على الكثير من المباني السكنية على الاخص في المنطقة القديمة التي يلوح عليها البؤس والفقر. ولم  تكتمل معمارية المناطق الحديثة التي لم تبلط شوارعها بالاسفلت ولم تشجر. ان غياب التشجير ظاهرة غريبة بالمدينة العراقية . اضافة لذلك فان شوارع المدينة بأجمعها غارقة  بالنفايات وكأن ليس هناك جهة اسمها بلدية المدينة، معنية برفعها وتنظيف الشوارع منها، ليس فقط لاسباب جمالية وانما صحية بحتة، لاسيما وان اكواما منها تملأ زوايا بعض الشوارع. لقد حان الوقت لدعوة المواطنين للمشاركة في اعمال تنظيف شوارع مدنهم وحاراتهم وشوارع بيوتهم اذا تجد الجهات المعنية نفسها عاجزة عن هذا العمل. وان يفعل مجلس المحافظة والاحزاب فيها ومنظمات المجتمع البلدي دورها في هذا المجال.وعلى خلفية روح التشاؤم والانهزامية التي صرح بها البعض ، فثمة من يرى ان هناك آفاقاً رحبة اعتماداً على ان الوضع في المدينة كان أسوأ بكثير قبل عام او عامين وان اعمال التعمير تتواصل. وما يؤكد ذلك ظهور مبان ومحال ومطاعم ومنتزهات جديدة تحمل بصمات عصرية بالشكل والتعامل.وهناك من تحدث عن وجود قوى تسعى في المدينة لمنع التعددية في الموقف والتعبير والممارسة في إطار ما يسمح به القانون والدستور عن الرأي وتستخدم نفوذها بالسلطة لتجسيد موقفها. ومن المهم فسح مجال اكبر للتعددية في العمل الاجتماعي والسياسي للهدف النبيل الاوحد:خدمة العراق وشعبه الواحد.ان جميع الجهات الحريصة على مضي العملية السياسية باتجاهها الصحيح وبناء البديل الفعلي للانظمة الغاشمة والديكتاتورية السهر على خلق مناخ ديمقراطي والقبول بالآخر وإتاحة الفرصة له لتجسيد ذاته وتحقيقها. فليس ثمة من يحتكر الحقيقة والوطن للجميع.ان شرائح ومناطق سكن كثيرة تستحق الاهتمام والعناية اللازمة بها من قبل

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram