عوّاد ناصرما يحدث في مصر، خصوصاً بعد تسيير نظام مبارك مؤيديه ورجال مباحثه والمنتفعين من حكمه، يدعو إلى الغضب، حقّاً، لأن متظاهري مبارك حاولوا شق تظاهرة ميدان التحرير وتفتيت تماسكها، بما ملك من خيالة وراكبي بعران وبغال مسلحين، وبالتالي جعل الشعب المصري بمواجهة بعضه البعض، أقليّة مسلّحة بالعصي والسيوف والبلطات وقنابل المولوتوف ضد أكثرية مناهضة للحكم، ممثلاً برئيسه، تطالب برحيلة، اليوم، وليس في أيلول (سبتمبر).
العنف الدامي وسقوط قتلى وجرحى كثيرين بدأ بدخول قوات النظام (من المدنيين المؤيدين له ورجال المباحث وبلطجيّة بملابس مدنية وغيرهم) ساحة المواجهة مع متظاهرين ظلوا محتفظين بالطابع السلمي للتعبير عن الرأي، هو بداية تحوّل خطير في طابع معالجة الحكومة الساقطة بقيادة رئيسها المعزول، فعلاً، ولعب آخر ورقة من أوراقه وهي ورقة استعمال العنف ضد متظاهرين معترضين رفضوا العودة إلى بيوتهم، حسب دعوة النظام.الصفحة الجديدة من العنف بدأت بتدخل تظاهرة الحكومة في الصراع، أي أن الحكومة هي المسؤولة عن اندلاع شرارة العنف الدامي، بصفحته الجديدة، فنظام حسني مبارك هو الذي أشعل فتيل حرب أهلية خطيرة في الشارع المصري.ومثلما تحدث محلل مصري فإن إخلاء الساحة من متظاهري التغيير، لا سمح الله، سيفتح صفحة جديدة أخرى من العنف، فالرئيس مبارك الذي بدا في خطابيه المتتاليين حاكماً يستجدي الآخرين الصبر والحفاظ على "أمن الوطن" = أمن السلطة، وأنه ظهر بمظهر "المتفضل" على شعبه بعزمه على عدم الترشيح لولاية ثانية (!) وسائر وعوده المعسولة، سيفتك بالمتظاهرين المنسحبين ويحوّل مصر إلى أقبية تعذيب وتنكيل بالمتظاهرين وكل من أبدى تعاطفه وتأييده لهم من الشخصيات السياسية والثقافية والفنية.إن ذئاب السلطة الحبيسة، حتى يوم الأربعاء الماضي، أي قبل دخول مظاهرة الحكومة ساحات المواجهة بالضد من متظاهري التحرير، ستكون أشد خطورة عندما تجد نفسها طليقة بأمر السلطة وعلمها وتواطؤها وإغماض عينيها عن جرائم رجالها.سلطة مبارك أضافت شرطاً جديداً، لم يكن موجوداً، قبل يوم الأربعاء الماضي، على اقتراحها بإجراء حوار مع ممثلي المعارضة وقادة المنتفضين، وهو أن الحوار لن يتم قبل عودة المتظاهرين إلى بيوتهم.رغم ما تكشف عنه هذه التطورات من أن النظام القائم بدأ باستعراض القوة واستخدامها، لاحقاً، ضد المنتفضين، فإنها تكشف عن ضعفه بالمقابل، لأن استخدام القوة المفرطة هو آخر أوراقه، بعد أن سقطت خطاباته ووعوده وترقيعاته وتشكيله حكومة قديمة/ جديدة.. إنه يشعل فتيل الحرب الأهلية فعلاً.في تموز (يوليو) عام 1936 كان فرانكو يقوم على الحدود بإنزال فرقة من القوات المغربية للهجوم على الجمهورية الإسبانية وإعادة (النظام) إلى البلاد.يروي المخرج السينمائي لويس بونويل ، في مذكراته، كيف كان يعمل ميدانياً ضد الفاشية الفرانكوية دفاعاً عن الجمهورية، وبذله جهوداً جبارة في دعمها، بما في ذلك البحث عن مصادر مالية وتسليحية لشحنها إلى الثوار الجمهوريين.. مع بونويل كان روفائيل ألبرتي وإيلي فور (مؤرخ فني) وفردريكو غارسيا لوركا (رغم عدم حماسه للسياسة) بل أن سلفادور دالي المعروف بيمينيته، يقول بونويل، عرفه على تاجر إنكليزية يعرض خدماته لدعم الجمهوريين، بينما رفض تشارلي تشابلن (المعروف بيساريته) وضع توقيعه على بيان يؤيد الجمهوريين (!).لكن مئات من فناني وأدباء العالم شكلوا فيلقاٌ أممياً شهيراً لدعم الجمهورية والقتال إلى جانبها ضد قوات فرانكو.سؤال ينبغي أن يطرح: ماذا فعل المثقفون العرب لدعم ثورة تونس أو مصر؟ماذا فعل المثقفون العرب للتحريض على بقية أنظمة دكتاتورية عربية في منطقتنا؟
مبارك/ فرانكو يشعل فتيل الحرب الأهلية فـي مصر
نشر في: 9 فبراير, 2011: 04:47 م