باسم عبد الحميد حمّوديعندما كتب المفكّر أنور عبد الملك كتابه الشهير (الجيش والقضية الوطنية) ناقشه كثيرون وبعضهم وقف ضد أطروحاته في الدعوة الى عدم دخول الجيش في الحراك السياسي لما يمكن أن ينجم عنه من مشكلات تؤثر على النمو الديمقراطي للوطن .عيّن مجلس قيادة الثورة عام 1953 في مصر اللواء محمد نجيب رئيسا للجمهورية ( كان قبل ذلك قد أعلن نفسه قائدا للجيش ثم رئيسا للوزراء) وكان خلاف نجيب مع جمال عبد الناصر وعدد من زملائه في مجلس قيادة الثورة حول ضرورة العودة الى الشعب وإجراء انتخابات ديمقراطية ،وكان رد عبد الناصر أن ذلك لو جرى فسيعيد حزب الوفد والأخوان الى الواجهة ولن تتمكن (الثورة ) من تحقيق أهدافها .
كانت أهداف المجلس المعلنة هي تحقيق العدالة الاجتماعية وصياغة أفضل ظروف العيش للمواطن وتحقيق استقلال مصر الحقيقي، وكانت الأهداف غير المعلنة هي بقاء الجيش في الواجهة سياسيا وإيجاد فرص حياة أكثر خيرا للضباط الذين شاركوا في التغيير، فمنهم الوزير مثل صلاح سالم وجمال سالم وعبد اللطيف بغدادي وحسين الشافعي ومنهم رؤساء مجالس إدارات مؤسسات صحفية ورؤساء تحرير مثل أنور السادات ( رئيس تحرير جريدة الجمهورية ورئيس مجلس الإدارة) وسعد الدين وهبة (رئيس تحرير مجلة الشهر) ويوسف السباعي(رئيس تحرير مجلة الرسالة الجديدة ثم الأمين العام لمنظمة التضامن الافرو آسيوي) وغيرهم كمحافظين ورؤساء شركات . كان لابد لعبد الناصر من أن يزيل محمد نجيب من الواجهة ،وان يكون هو وجماعته في الواجهة السياسية ( وقد عامل ناصر نجيبا معاملة سيئة ووضعه تحت الإقامة الاجباربة حتى وفاته على عكس ما عامل به نجيب الملك فاروق) واستمر عبد الناصر رئيسا لمصر وحاكما مفردا منذ 1954 حتى وفاته في السبعينات،وقد حقق لوطنه الكثير من النجاحات الوطنية والدولية والكثير من الإخفاقات الكبرى والتي منها شرخه للحراك السياسي الثوري في العراق وسوريا ودخوله حرب اليمن ثم مواجهته المتعجلة لتل أبيب والتي أفرزت النكسة .وعندما توفي عبد الناصر خلّف فراغا سياسيا واسعا وظلت فترة حكمه مثيرة للجدل إذ حارب قوى اليمين واليسار وأراد من كل القوى السياسية أن تسير في فلكه عبر تنظيمات الاتحاد الاشتراكي. كلام كثير يمكن أن يقال عن عبد الناصر يحتمل الخطأ والصواب ولكن التوصيف الأدق الذي لا يختلف عليه اثنان أنه جاء من رحم المؤسسة العسكرية وظل ممثلا لها، وعندما خلّفه أنور السادات ( وهو عقيد سابق في الجيش) اهتم بالجيش اهتماما كبيرا باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة حتى قاده الى حرب اكتوبر/ تشرين الأول عام 1973 التي أزاح فيه الجيش المصري شعور الخيبة وأعطى للفرح بالنصر معنى، لكن سياساته الداخلية والخارجية أثارت لغطا كبيرا ومقاومة من كثير من التيارات الأمر الذي أدى إلى مقتله بعدها ليخلفه رئيس آخر من نفس المؤسسة العسكرية هو حسني مبارك الذي استمر في الحكم 32 عاما ذاق فيه الشعب المصري الكثير من الويلات أبرزها البطالة والضائقة الاقتصادية وضعف الخدمات وسوء توزيع الثروات والفساد السياسي ،وقد انتهى نظام حسني مبارك بإرادة غالبية الشعب في ثورة جماهيرية قادها شباب مصر يوم 25 شباط ،وقد عهد الرئيس السابق للقوات المسلحة ( وهي موضع ثقة الجماهير الشعبية) بإدارة شؤون البلاد .توالت بيانات القيادة العامة للقوات المسلحة ضامنة أمن مصر وحرية شعبها بقيادة وزير الدفاع المشير طنطاوي (وهو رئيس المجلس الحاكم)، والمهم هنا أن يتولى الرئيس المؤقت الذي ستصدر الأوامر باسمه الإيفاء بتعهداته الخاصة بالتعديلات الدستورية وتشكيل الوزارة ( أو الأمر باستمرار الوزارة الحالية ) وإجراء انتخابات ديمقراطية لرئاسة الجمهورية دون ان تتجوهر الثورة لصالح الرجل الذي دخل معترك السياسة عن طريق الجيش .إن تجربة المشير سوار الذهب (في السودان) ينبغي أن تتكرر وأن يكون الرئيس المصري القادم مدنياً بامتياز، فذلك أضمن لمصر ولثورتها العملاقة.
من محمد نجيب الـى طنطاوي
نشر في: 16 فبراير, 2011: 05:09 م