زهير كاظم عبود تتكون السلطات الاتحادية في العراق بمقتضى نص المادة ( 47 ) من الدستور من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات، والسلطة التشريعية الاتحادية تتكون من مجلس النواب ومن مجلس الاتحاد (وهو مجلس تشريعي يضم ممثلين عن الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم) ولم يتم إصدار قانون ينظم تكوينه وشروط العضوية فيه واختصاصاته وكل ما يتعلق به من مجلس النواب حتى اليوم .
أما السلطة التنفيذية الاتحادية فتتكون من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ((والدولة كيان شامل يضم الحكومة والمواطنين الآخرين ، والدولة باقية في حين أن الحكومة متغيرة وبالتالي فإن العراق يشكل دولة اتحادية وتكون الحكومة احد مكوناتها الأساسية)). أما السلطة القضائية الاتحادية فتتكون من مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية العليا ومحكمة التمييز الاتحادية وجهاز الادعاء العام وهيئة الإشراف القضائي والمحاكم الاتحادية الأخرى . ووفق هذا المبدأ فإن السلطات ثلاث ، ولايمكن ان تكون هناك سلطات أخرى ، ومن الطبيعي أن يكون هناك اختصاص لكل سلطة من هذه السلطات ، ومع أن التنسيق ضروري وموجود بين جميع تلك السلطات ، إلا أن الدستور بين في نصوصه المهام الذي تضطلع بها كل سلطة ، وبهذا فإن المشرع لم يحصر السلطات بيد جهة واحدة ، كما انه أعطى صلاحية تدقيق القرارات والخطوات التي تقوم بها السلطة التنفيذية الى السلطة القضائية في حال خرقها النصوص الدستورية أو مخالفتها القوانين ، كما منح السلطة التشريعية صلاحية مراقبة ومحاسبة السلطة التنفيذية في أعمالها ، وهذه الرقابة لاتعني التسلط على قرارات الحكومة بقدر ما تعني الحفاظ على هيبة الدستور وعلى الحقوق والحريات التي جاء بها ، بالإضافة الى تقديرها للقانون باعتبار أن الدستور اعتبر العراقيين متساوين أمام القانون ، كما انه حدد جهة محايدة من بين تلك السلطات وهي السلطة القضائية ، وهي صاحبة اختصاص في التفسير وتطبيق القوانين وإصدار الأحكام ، والفصل في المنازعات ، وخص هذه المهمة بالمحكمة الاتحادية العليا. هذه الصلاحية نوع من الرقابة الدستورية إذ لم يشأ المشرع أن يبقي تلك التطبيقات وفقاً لاجتهادات الجهة التنفيذية، ولا لتفسير القوانين وفقاً لإرادتها، وحتى ينشأ نوع من الضمانات الحقيقية الكفيلة بتحقيق الأمن والحرية والحق في الحياة للمواطن. كما يمكن الاستفادة من التجارب الدستورية التي نشأ على وفقها هذا المبدأ، وحقق نتائج إيجابية في التطبيق، ونوعا من الانسجام بين السلطات، وكفالة للحقوق التي نص عليها الدستور، وبذلك نضمن نوعا من الضمانات الأساسية لحقوق الإنسان، وتثبيتا لتأسيس دولة القانون والمساواة . كما أن الالتزام بنظرية فصل السلطات يأتي رداً على تجربة السلطة المتمركزة بيد شخص واحد أو جهة واحدة أو سلطة واحدة ، حيث كانت التجربة المريرة التي خاضها العراق تحت سلطة الدكتاتورية مثالا على تلك التجربة التي خلقت نمطا من الاستبداد والطغيان ومركزية القرار بما يجعل جميع المؤسسات والسلطات الأخرى مشلولة وعاجزة ، وبالتالي فإن تقييدا للحريات وتفسيرا مغلوطا للقوانين وتعسفا في استعمال السلطات سينتج عن ذلك . وبهذا فأن القانون وهو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين أفراد المجتمع ببعض ، وبينهم وبين الحكومة ، يجب ان ينسجم مع تلك الرؤى والمبادئ الأساسية التي نص عليها الدستور ، مما يعني أن هناك جهة تقوم بتشريع تلك القوانين تتقيد بذلك ، وجهة أخرى تقوم بتطبيق تلك القوانين بأمانة ، وجهة ثالثة تقوم بالفصل في الاختلافات الناشئة عن تطبيق تلك القوانين والخروقات الدستورية الحاصلة ، سواء بين الأفراد والحكومة ، أو بين المؤسسات الحكومية نفسها. إن الفصل بين السلطات ليس فصلا مطلقا ، بل انه فصل نسبي ، يعني أن هناك تواصل يشير الى وجود نشاط يمثل جانبا من جوانب السيادة ، ويمثل الاختصاص لكل سلطة من هذه الاختصاصات ، وباعتماد نظرية فصل السلطات يمكن كفالة تأسيس دولة القانون التي كانت ولم تزل حلم العراقيين من كل اتجاهاتهم السياسية والقومية والدينية والاجتماعية .وبالرغم من الانتقادات التي قيلت عن هذا المبدأ ، والتي تلخصت في أن السلطة القضائية خاضعة لقرارات السلطة التشريعية ، بالإضافة إلى أن الحكومة ستجد قيدا ورقيبا على ممارسة أعمالها ، وأن الحكومة منتخبة من مجلس النواب فلا مبرر لتقييدها ومراقبتها ، كما أن الحكومة تحتاج الى بعض المرونة في الصلاحيات الاستثنائية ( الطوارئ ) التي وفرها لها الدستور وقيدتها السلطة القضائية ، وأن تقييدها يؤدي إلى زيادة الأضرار الحاصلة ضمن تلك الظروف وتعرض الناس والبلد الى المخاطر ، كما أنهم طرحوا أن الدولة بشكل عام مثل جسد الإنسان لايمكن أن تفصل أي عضو منه بشكل مستقل ، وأخيرا زعموا بأن مبدأ الفصل بين السلطات مبدأ وهمي لاأساس له في التطبيق الدستوري السليم ، إلا أن الانسجام بين السلطات مع تحديد تلك الصلاحيات ، ووجود ترابط دقيق بينها باعتبارها جميعها تشكل هيكل الدولة الاتحادية ، وعلاوة على ذلك فإن النص في الفقرة ب من المادة 2 من الدستور بعدم سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية يدفع لاعتماد هذا
مبدأ فصل السلطات
نشر في: 19 فبراير, 2011: 07:43 م