اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > "قصيـدة الـنـثر" وإشـكـالـيـة الـتـقـنـين

"قصيـدة الـنـثر" وإشـكـالـيـة الـتـقـنـين

نشر في: 20 فبراير, 2011: 05:01 م

رزاق عداي في الجلسة الختامية لندوة " قصيدة النثـر" المنعقدة في محافظة البصرة بتاريخ 23 كانون أول 2010 كان هناك توجه نحو مضاعفة الجهد النقدي والجمالي لإيجاد ضوابط ومحددات لقصيدة النثـر يهدف  إلى قوننة وتعين " قصيدة النثـر" بغية فرزها عن بقية أشكال وأنماط الكتابة الشعرية، أعتقد إن مثل هذه الدعوة هي ليست وليدة اليوم أو ليست المسعى الأول من نوعه، إنما هناك كم هائل من مقالات وبحوث وكتب ابتغت الإمساك بشفرات أو أنساق أو ضوابط مشتركة التي تحكم هذا النوع من الكتابة الشعرية، حيث إننا لا نقبض في قصيدة النثـر سوى على ملامح الانفتاح التام للقصيدة وإيقاع لا متناه ٍ لها.
والحقيقة إن الالتباس يطوق قصيدة النثر، فمن التسمية أولا، إذ إن هذا النوع من الكتابة يعلن عن إشكالية التسمية ومنذ الوهلة الأولى فهو يتداخل وينشطر بين جنسين من الكتابة، النثر: حيث حرية الكتابة المنطلقة دون قيود، وإنفتاح دون نهاية مع فحوى الفكرة أو الإحساس، فالكتابة النثرية تمتلك الحرية التامة ولا تشترط التعريف ضمن معايير ثابتة، والسرد النثري يتضمن الإفصاح التام لأي كمون داخلي والانطلاق في توصيف الخارج دون حدود.وعلى العموم فإن اللغة في النثر تكون ذات طابع نفعي أو ذات هدف متعين أساسا، على خلاف الشعر الذي تكون فيه اللغة لا تحمل طابعا غائيا مثلما في النثر، فاللغة في الشعر تشتغل بمستوى أعلى من المستوى العادي أو اليومي الإستهلاكي وهي مجردة من الهدف والدلالة الوظيفية حيث تصبح بمستوى المجانية وهي تتحدث في جوانية الشاعر دون أن يحتكرها أو يسوقها كما في النثر، فالشاعر في قصيدة النثر يتواطأ مع لغته ويسكنها، ولنا هنا أن نفهم رأي الفيلسوف الوجودي" هايدغر" بأن الشعر دون سواه من الأجناس الأدبية، هو القادر على بلوغ تخوم الوجود الأصيل. من هنا تنبثق أسئلة كثيرة:ـ كيف الجمع بين هذا التنوع من البؤر والسمات؟وهل هناك ما يمهد من شفرات ولمحات وأنساق داخل القصيدة وخارجها تساعدنا لضبط المشتركات التي تعين ملامح هذه القصيدة؟فلنبدأ من البداية حتى نتمكن من تقصي ملامحها بشكل عام والدوافع الخارجية والتاريخبة المحفزة لنشأتها، وليس في هذا ما ينطوي على نية التطويق المعقلن لأن قصيدة النثر هي أساسا مطلقة وتنأى عن أية قسرية في التحديد باستثناء أنها تنتمي إلى الشعر، ولأن مفهوم الشعرية يتساوق مع الإيقاع فسيكون حريا أن يتلازم الإيقاع مع ما يسمى بقصيدة النثر حتى نتمكن من انتزاع هذه الماهية الإبداعية " قصيدة النثر الفنية"عن الشعر عبر أشكاله التقليدية من جهة وعن النثر حيث هو كلام منفتح لا يخضع إلى الإشتراطات التي تعتبر معايير شعرية تتمركز في الشعر ذاته، فالسؤال المهم إذاً كيف لنا أن نقرر إن هذا النص من الكتابة " قصيدة النثر" ينتمي إلى الكينونة الشعرية، ولا غرو أن هذا السؤال يؤشر أهمية خاصة في مجال الاستدلال.وإن الاستدلال المنطقي هو النزوع الذي هيمن على مدى الجهد النقدي القديم في محاولة لالتقاط التشخيص باتجاه ظاهرة ما أو نشاط معين لغرض تأشير الحدود التي تفصل هذه الظاهرة أو هذا النشاط عن ذاك.ففي الشعر كان التحديد القديم قائما على أساس، إن الشعر هو الكلام الموزون والمقفى وهذا التعريف التقني ظل يمارس فعاليته على مدى زمن طويل حتى استطاعت بعض الجهود النقدية اللاحقة إدخال بعض المؤشرات الإضافية لتخليص الشعر عما يختلف عنه.في وقتنا الحاضر يصبح الأمر في غاية الصعوبة بين الأجناس الأدبية والفنية عند غايته، دع عنك التطورات السريعة والمتواترة في الجنس الأدبي ذاته، أقول إن هذا التداخل أصبح متشابكا إلى الدرجة التي يستدعي فيها قدرة متمكنة للتبصر في تخليص النوع في ذاته ومن تحديات خارج ذاته، وهذا لب ما أنوي تناوله في ترجمة هذا الفيض أو حتى الفوضى التي تسم الساحة الشعرية.في القديم وتحديداً في العصر قبل الإسلام، قيل إن الشعراء كتبوا  الشعر دون العودة إلى معيار معين أو متعارف عليه، ولكنهم استطاعوا وبدلالة الحدس وبعيدا عن الضبط المنطقي أن يستدلوا وبيسر إلى ما قالوه أو كتبوه هو من الشعر دون سواه، وفي الوقت نفسه كادوا أن يتفقوا أن ما كتبه " زيد" من الشعر هو أكثر بلاغة ووقعا شعريا مما كتبه "عمرو"، وعندما بلغ الأمر إلى الفراهيدي أراد أن يرهف الحس والسمع كثيرا ليستمع إلى ما ينبض داخل ما قاله هؤلاء الشعراء،لقد كانت النتيجة في منتهى الإبهار، فلقد تبين له أن هناك منظومة من الأنساق تترادف وتتواتر في كل مرة ثم تتابع بعد ذلك مؤلفة هذا النسق الذي له طابع النغم الموسيقي في مجراه، وراح يؤلف جريانا عاما للقصيدة، ولكن من أين يجيء هذا النغم ليركن ثم ليتدفق داخل القصيدة وبعدها ليكون محتواها الكلي؟ لا شك إن الإجابة على هذا السؤال كانت بسيطة وبديهية إذ إن الأذن الموسيقية لا تلبث أن تكون في اندفاع حيوي مع الكون بالدرجة الأولى ومن ثم في رصد مجرى حركة الأشياء في بيئة معينة ومن تناغم يشمل الطبيعة برمتها.والواقع أننا لو رجعنا إلى العصور الأولى للتفكير اليوناني لوجدنا أن الكثير من التصورات الجمالية قد نفذت إلى أفكار الطبيعيين الأوائل ( عن الكون ) عند فيثاغورس مثلا، عندما اعتقد إن هذا الكون يحتوي على قدر لا متناه ٍ من التناغمات، وسوف نجد أن هذه التناغمات قد كشفت عن نفسها عبر تجسيدات إبداعية وعلمية غير متناهية، وهكذا امتزجت هذه الفكرة الكلية لتنزلق عبر أحد الروافد الإبداعية ألا وهو الشعر، وهكذا استطاع الشعر التقليدي أن يكتشف حدوده خلال الأوزان الشعرية والق

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram