محمد صادق جرادعقود طويلة مضت كان المواطن العراقي خلالها يحلم بحصوله على ما يستحقه من خدمات إلاّ انه اضطر الى الانتظار حتى جاءت مرحلة التغيير وبدأنا نعيش مرحلة جديدة من التجربة الديمقراطية التي صاحبتها معوقات أدت الى تأجيل الحلم لأكثـر من مرة وتعليق الفشل في ذلك على شماعة الإرهاب والطائفية تارة وعلى شماعة المحاصصة البغيضة تارة أخرى، وهكذا بقي المواطن يحلم ويمنح الفرصة تلو الفرصة للمسؤولين من الذين بات واضحا للجميع إنهم انشغلوا في تحقيق المكاسب الشخصية والحزبية بعيداً عن مطالب المواطن العراقي .
وبنظرة سريعة على أداء القوى السياسية نجد انها انشغلت في أمور تقاسم السلطة والصلاحيات أكثر من اهتمامها بأي شيء آخر، والدليل على ذلك ان عملية تشكيل الحكومة العراقية استغرقت ثمانية أشهر من زمن العراقيين ولا نزال حتى يومنا هذا نتابع الصراعات على توزيع السلطات بين القوى السياسية وحول رئاسة اللجان البرلمانية وعضويتها وعدد نواب الرئيس ودستورية قوانين المحكمة الاتحادية من عدمها وتبعية الهيئات المستقلة وصراعات أخرى شغلت السلطة التشريعية والتنفيذية من ان توجه اهتمامها لخدمة المواطن من خلال تقديم الخدمات ومكافحة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة والبحث عن حلول للمشاكل الاقتصادية المتعلقة بحياة المواطن ومعوقات كثيرة تلاقي التأخير والتجاهل من قبل القوى السياسية ما تسبب بتراكمات كثيرة يصعب معها العلاج كمسألة الفساد ومشكلة الكهرباء والبطاقة التموينية والبطالة .ومن الجدير بالذكر هنا إن أي مراقب للعملية الديمقراطية في العراق يلاحظ إن جميع القوى السياسية قد اشتركت في حكومة الشراكة الوطنية، وهذا مهّد لغياب المعارضة السياسية التي تقوّم عمل الحكومة والرقيب الذي يحافظ على مصالح الشعب العراقي الذي بات واضحا إن الجميع يريد ان يخدمه عن طريق وجوده في الحكومة وليس عبر عمله في المعارضة التي غابت في الحكومة السابقة وتسجل غيابا آخر في الحكومة الجديدة، تعد المعارضة السياسية الرقيب والموجه لعمل الحكومات ويختلف البعض في تعريفها والسبب في هذا يعود إلى اختلاف هذا المفهوم بين طرف وآخر تبعا لإطاره السياسي وثقافته التي يستمد منها منظومته المعرفية. وهذا يسمح لظهور الكثير من الرؤى والآراء المختلفة التي يرى بعضها في تعريف المعارضة إنها قيمة سياسية ديمقراطية تفرض نفسها على أي عملية سياسية ناضجة تكون فيها المعارضة هي الوجه الآخر للحكومة والمرآة التي ترى هذه الحكومة أداءها من خلالها. ويضع البعض المعارضة في خانة معناها اللغوي ويضع تحت عنوانها كل من عارض أو اعترض على الواقع القائم، دون النظر إلى أهداف هذه المعارضة أو بنيتها،والعملية السياسية في العراق كأي تجربة ديمقراطية أخرى تحتاج إلى معارضة قوية في البرلمان لتلعب دور الرقيب والمشرع الذي يراقب عمل الحكومة وينقل رأي الشارع العراقي إلى الحكومة بكل سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية. ونظرا لهذه المعطيات التي تتمثل بغياب المعارضة السياسية برزت الحاجة الى وجود قوى شعبية تمثل الرأي العام وقادرة على تحريكه باتجاه حماية الحقوق والحريات في حالة تعرضها للانتهاك والتقصير من قبل الدولة، ومن اجل هذا أخذت منظمات المجتمع المدني دورها بالإضافة الى دور المعارضة الغائب لتشكل سلطة خامسة تحافظ على حقوق الناس وتبني مجتمعاً مدنياً سليماً يمنح المواطن فيه امتيازات ومؤهلات تمكنه من ممارسة دوره بشكل ايجابي ومؤثر وان تكون لديه الفرصة لاتخاذ القرارات المهمة والصحيحة وان يكون مشاركا فعالا في القرارات العامة وان يمتلك التفكير المستقل وتتوفر له أجواء من الحرية بعيدا عن عوامل القهر والإرغام والتهديد والخوف من السلطة والذي عاناه المواطن العراقي لعقود طويلة.وكل ما تقدم دفع منظمات المجتمع المدني والنخب المثقفة من أبناء العراق إلى الدعوة الى تظاهرات سلمية نتمنى ان تكون بعيدة عن كل مظاهر العنف لتعبر عن التفكير بصوت مرتفع يسمعه السياسيون مفاده ان الشعب يطالب بحقوقه في حماية المال العام من المفسدين ومحاسبتهم بالإضافة الى مطالب أخرى في ممارسة سلمية حضارية يضمنها لهم الدستور العراقي إضافة إلى المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث نصت على ما يأتي ( لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية).
عندما تغيب المعارضة السياسية
نشر في: 26 فبراير, 2011: 04:59 م