محمود النمرمن هذه الأرض نهضت الثورات ،وعلى هذه الأرض انتمت البشرية الى مسقط رأسها ، هذه الأرض التي يصفها الشاعر مظفر النواب حينما يقول : ما أظن أرضاً روّيت بالشمس والدم كأرض بلادي ،ولا أظن حزنا كحزن الناس فيها ،لكنها بلادي ،لا اضحك من القلب، ولا ابكي من القلب، ولا اموت من القلب الا على هذه الأرض ،
بالتأكيد موتنا على هذه الأرض هي الحياة الدائمة ، قد لا أؤمن بوحدة الدم الواحد، ولكن أؤمن بوحدة الإنسانية الواحدة ،يكفي بان ننتمي للإنسانية جمعاء سواء اكان من دين آخر او من صنف آخر ،يكفي ان نرى معا ،ونتنفس نفس الهواء معا ،ونعيش على ارض كروية واحدة . بهذه المقدمة ادار الشاعر عمر السراي الجلسة التي قرأ فيها د. جاسم بديوي ورقة بعنوان ( بروليتاريا الفيسبوك ) الذي قال فيها : بلاغة الجسد بوصفه احتجاجا عندما يقدم الجسد زخمه الدلالي ليتحول الى فضاء تعبيري ، ليس على المستوى الاستعاري الرمزي للهوية فقط وإنما لينزاح الى نقطة تشكل الحدث .. فانه يكتنز بنياشين البداية ، وكأنه يستحضر الأثر الأسطوري للقرابين العتيقة التي تؤمن بانه لا يمكن لبداية ما ان تبدأ إلا بفعل تضحية، وكان فضاء الجسد المفدى به يوقظ أطياف التغيير ويقرع أبواب الدخول لحقبة جديدة ، هو حدث التغيير الحدث الذي تستعصي اشد المناهج المعرفية ادعاءا بالعلمية والموضوعية على تفسير حركته والتنبؤ بوجهتها وسرعة تقلباتها ومنعطفاتها وتأسيساتها.قد لا يعزب عن الذاكرة الاسطورية والنصية الدينية والثقافية ، ادعاء قدم وسم الجسد باوسمه التعبير في الانتماء ومزاولة الطقوس والعهود والنذور وانظمة القرابين والأضاحي ، لا بل لا يعزب عنها اتخاذ الجسد وسيلة للرفض السياسي عبر تفخيخه للتعبير عن موقف سياسي او ايديولوجي لاسيما في ما بات يعرف بالعمليات الانتحارية بغض النظر عن تسمياتها أيضاً . بيد ان الجديد الذي تحمله سيميائية الانتحار بإحراق الجسد ان أبطالها ليسوا مختارين من الآلهة ، وليسوا أبطالاً دينيين يمارسون الجهاد تنفيذا لرغبات جماعات او مؤسسات سياسية ، انهم ببساطة أناس فقراء سئموا التشكي للسلطان الذي أصابه الصمم والعمى ، فقرروا حرق أجسادهم للفت انتباه كاميرات الرأي العام ، ولأيقاظ مارد الإرادة الشعبية للتغيير ، أبطال قصص الانتحار الطوعي للجسد ، الذين سمحوا للنار ان تكتب دلالاتها ألا بلاغية والبلاغية عبر تشوهات جلودهم من اجل صورة يستقبلها الآخر ،، الآخر المتماثل والآخر المغاير ،، لتزف بشارة التغيير . لا يفهم من كلامي كما افترض ، اي نبرة تشجيع لظاهرة احراق الجسد بل يحدوني التشجيع الى دعوة الأنظمة الى الاستماع الجاد والفاعل لارادة التغيير قبل ان تضطر تلك الجماهير إلى الانتحار بالسلطة على طريقة - أموت ليعيش الآخرون - بما يشبه الانقضاض على الخصم ورمي النفس والخصم قي الهاوية ، بلى والف بلى قد تثير تجربة الألم الذي يختبرها الانتحار تساؤلات اخلاقية عدة بشأن تعلقها من حالات انتحار جماعية محتملة كون الهدف من وراء الحدث هو التأسيس لنظام حياة تكون فيه المواطنة برنامج عمل وتطوير وليس مجرد شعارات انتخابية وملصقات تلوث الهواء الطلق قبل الجدران برائحة الفساد ، وليس الهدف عبثياً يبرر ويكرس الموت .وأضاف في ورقته التي وظفها في هذا الشأن الجديد في المواجهة الفكرية عبر الفيسبوك وقال: استطاع شبان الفيسبوك ، وهم أبطال البروليتاريا العاطلون عن العمل ، من توجيه حتمياتنا المنطقية والتاريخية ، وضروراتنا المعرفية ، وإنعاش أحلام التغيير التي تسلل الإحباط والخمول وفقدان الأمل الى مفاصله .. ابرز مقولة لفتت نظري هي مقولة (ان الثورة تقودها اهدافها) ، وهي مقولة تستدعي الاهتمام التفكيكي أكثر من كونها شعار دعائي ، اذ يكمن نجاح الحدث في جمع الفعاليات الحزبية والتشكيلات الجماهيرية ، ليس في الوضع البيروقراطي كما هو عهدنا في الثورات الكلاسيكية ، انما قلب الحدث ما فشلت به الأحزاب في منطقتنا ، وهو ما يعرف في تحشيد التأييد الشعبي الواسع . ان الحدث استحق ما نسميه التحول الدلالي في ان الحشد الشعبي هو الذي ايقظ واستنهض السبات الحزبي ، وليس العكس ، اذ نرى ان معظم قادة المعارضة انضموا إلى المحتجين بعد التحول السريع في التغيير .
فــــي اتــحــــــاد الأدبــــــاء ..الميتة الثالثة والاخيرة لعبد شويخ البدوي
نشر في: 27 فبراير, 2011: 05:10 م