اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > العلمانية

العلمانية

نشر في: 5 مارس, 2011: 05:18 م

غي هارشير  ترجمة: رشا الصباغ مقدمة: إن مفهوم العلمانيّة واسعٌ جداً وضيّقٌ جداً في آن. فهو واسع لأنّه يعني في تحليل أوليّ الأنظمةَ التي تحترم حرية الضمير، بمعنى أنّ تلك الأنظمة تفترض أنّ الدولة ليست (ملكاً) لفئة من السكان، وإنّما هي للجميع، للشعب (laos باليونانية)،  من دون أدنى تمييز بين الأفراد تبعاً لتوجّهاتهم في الحياة.
وهو ضيّق، إذا كان التعبير نفسه والمعركة ضدّ الكهنوتيّة الدينيّة التي يحيل إليها، يعكسان بقوّة مدلولاً في التقليد الفرنسيّ يتضمّن، إضافة إلى تأكيد الحريّة الدينية، مبدأ فصل الدين عن الدولة، الأمر الذي مازال يجهله عدد كبير من الدول الأخرى التي تلتزم باحترام حريّة الضمير ومبدأ عدم التمييز التزاماً صارماً، غير أنّ الولايات المتحدة على سبيل المثال، ولعدم معرفتها بهذا المصطلح، قد وضعت الأشياء في وقت مبكّر جداً موضع التطبيق العمليّ: فقد (علمَنَت) الدولةَ الاتحاديةَ (الفيدرالية) بجعلها مستقلّة عن العقائد الدينية قبل العديد من الدول الأوروبية، ومنها فرنسا نفسها. إذ كفل التعديل الأوّل الذي أُجري على الدستور الأميركي (1791) الفصل بين الكنائس والدولة الاتحاديّة، وأكّد أن لا وجود لأي دينٍ رسميّ مقرّر (established religion)، أي ذي امتياز سياسيّ، كما كفل الحريّة الدينية المطلقة، وهذا هو فحوى (نظرية الجدار1) الشهيرة، قبل ذلك أيضاً كان إعلان فيرجينيا لحقوق الإنسان (1776) قد نصّ على ما يأتي:rn(الدين أو العبادة المتوجبان تجاه الخالق، وطريقة القيام بالتزاماتهما، لا يجوز أن توجّه إلاّ عن طريق العقل والاقتناع، وليس بالقوة أو العنف على الإطلاق.وبناء عليه، فكلّ إنسان يجب أن يتمتع بحرّية الضمير التامة، والحريّة نفسها يجب أن تمتدّ أيضاً لتشمل أسلوب العبادة الذي يمليه عليه ضميره...).كما استبعد الدستور الأميركي نفسه الذي وضع سنة 1787 (في المادة 6 منه) المعيار الديني religious test، أي التمييز الديني في ما يتعلّق بالوظائف العامة.(لن يُطلب أبداً أيّ تصريح ديني خاص كشرطِ أهليّةٍ لشغل الوظائف أو المناصب العامة في ظل سيادة الولايات المتحدة).يجب إذن ألاّ نقيّد أنفسنا بالكلمات فقط، وبتقليد خاص (فرنسيّ) للتحرّر- عن طريق الفصل- نشأ ضمن إطار كاثوليكية سائدة.في مقاربة أولى للموضوع نتساءل: ما هي العلمانية؟ إنها تحيل بالدرجة الأولى إلى مفهوم سياسيّ: فالدولة (العلمانية) (بالمعنى الأكثر شمولاً للتعبير) لا تمنح امتيازاً لأيّة ملّة، وبشكل أعمّ، لأيّ تصوّر محدّد للحياة الصالحة، في الوقت الذي تكفل فيه حريّة التعبير عن كلّ منهما، ضمن حدود معيّنة. في ما يخصّ الضمير، يمكن للسلطة في الواقع أن تضطلع بصورة إجمالية بوظيفتين مختلفتين تماماً، فهي من جهة قادرة على أن تتبنى رؤيةً للعالم، ومفهوماً للخير: إنّها تلعب في هذه الحالة دور سلطة مدنية، أي سلطة فعّالة في (العصر)، في (العالم)، لكي تفرض مثل تلك الرؤية على أولئك الذين قد لا يعتنقونها من تلقاء أنفسهم، بصدق. ولا بدّ من الإقرار بأنّ الدول قد لعبت تقليدياً هذا الدور في السابق وما زالت تلعبه في الغالب اليوم: فلقد ظلّت السياسة لمدة طويلة خاضعة، وبشكل شبه تام- دون أن يخلو الأمر من صراعات- لدين سائد، كان هذا الدين، وقد تجذّر في التعالي والسموّ، يفرض نفسه على أنظمة بشريّة محضة: ففي عالم العقل المؤمن بالخلق وبوحدانية الخالق خصوصاً، تتغلب شريعة الخالق منطقياً على قانون المخلوق، ويرجح الحقّ الإلهي على حقّ البشر.ولكن القرن العشرين علّمنا، إذا كانت لا تزال هناك حاجة لذلك، أنّ وجود دين غالب ليس شرطاً ضرورياً لإقامة سلطة سياسية كوسيلة تعكس تصوّراً للعالم: فالشيوعيّة، في شكلها الستاليني، قدّمت لنا نموذجاً لإلحاد رسميّ فرض نفسه على المتمردين بطريقة أكثر فعّالية من الأديان التقليدية بما لا يقاس. إذ إنّ تلك الأديان، في الحقيقة، كانت تستند دوماً إلى أساس أسطوري، شكّل بطريقة أو بأخرى عقبةً في طريق تحديث المجتمع. ولكن عندما ظهرت فكرة (نزع السحر عن العالم) (ماكس فيبر)، وأزمة الأديان وانحسار تلك الأديان (الجزئي) في العالم الخاص، ترابطت مثل هذه الظواهر مع تطوّر مشهود للعلم التقني، وخاصة (لكن ليس فقط بالطبع) في بعده المتعلّق بالسيطرة الاجتماعية، وهذا هو السبب الذي جعل القرن العشرين ينتج أنظمة شموليّة (هادفة إلى السيطرة التامة على المجتمع) أشدّ فعّالية في خنق الحرّيات من الأنظمة الاستبدادية التقليدية ذات الركيزة الدينية، سوف تقودنا تلك الملاحظة على كلّ حال إلى لبّ مسألة العلم الحديث: فإذا كان العلم قد غذّى، كما سيتّضح، الفكرَ النقدي، وساعد بالتالي على التقويض التدريجيّ للمواقع الدينيّة المهيمنة سياسياً، فإنّه قد مكّن أيضاً من التحكّم الجذريّ بالمجتمع، أي أنه حوّل الناس بشكل كامل تقريباً إلى أدوات تعمل لصالح سلطة ذات ميلٍ هيمنيّ.هو ذا إذن الدور الأكثر شيوعاً للسياسة: بما أنّها تمتلك احتكار العنف المشروع، فهي تستخدمه لمصلحة تصوّر خاصّ ومحدّد للحياة الصالحة، بيد أنّ الدور (العلمانيّ) للدولة (بالمعنى الواسع) مختلفٌ كلّ الاختلاف:  فهي لم تعد تسعى، في هذه الحالة، إلى فرض وجهة نظر فئة من المجتمع على بقية الناس بالإكراه، بل إنها تقوم قبل كلّ شيء على أساس

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تغيير جذري في قرعة دوري أبطال أوروبا

النقل العام في العراق.. حل مؤجل لازمة دائمة

بالصور| تشييع جثامين شهداء الحشد الشعبي الذين ارتقوا أثر القصف على شمال بابل

مع الاغلاق.. أسعار الدولار تستقر في بغداد وترتفع باربيل

النزاهـة: كـشف مخالفات بعقـد قيمته (٤,٥) مليارات دينار في كربلاء

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram