عواد ناصربدءاً، لست شيوعياً لأدافع عن الحزب الشيوعي العراقي، فالشيوعيون أحسن من يدافعون عن أنفسهم ووجودهم وحقهم في التعبير عن الرأي، وقد تمرسوا، حقاً، في هذا لأنهم في حالة دفاع عن النفس منذ تأسيس حزبهم منتصف ثلاثينات القرن الماضي.قمع الشيوعيين العراقيين من قبل الحكومات المتعاقبة، ومن دار في فلكها، لا يشرف أحداً، فأعداء الشيوعيين، لسوء حظهم، هم أعداء العراق والشعب العراقي، منذ نوري سعيد.
أول شعار شيوعي قرأته، مكتوباً على جدار بغدادي، مراهقاً، هو: "الديمقراطية للعراق والسلم لكردستان"، في زمن عراقي أصمّ لم يسمع فيه العراقيون، ولا يريد أن يسمع به السياسيون، آنذاك، بكلمتين صادمتين: الديمقراطية وكردستان.تحالف القوميين المتعصبين والمتدينين المتخلفين كانوا يدركون أن أي فرصة أو هدنة بينهم وبين الشيوعيين ستتيح لهم التنفس والحياة ومزيداً من التوسع الجماهيري، وكل ما من شأنه تضييق مساحة المستبدين المتحالفين، ومن المؤسف أن سياط الجلادين وأحواض تيزابهم وجدت من يدعمها بفتوى مشينة لإبادة الشيوعيين من أعلى مرجعيات ذاك الزمان!على أن الشيوعيين ليسوا ضحية أعدائهم، حسب، فكثيراً ما كانوا ضحية أنفسهم: مواقف سياسية خطيرة لم يجنوا منها غير مزيد من النقد، بل الرفض، وخصوصاً ما يتعلق بتحالفاتهم: أشهرها ما سمي بـ "الجبهة الوطنية القومية التقدمية" مع حزب البعث الحاكم (1968 – 2003)، ومن ثم تحالفهم (تعاونهم) مع تشكيلة بول بريمر في مجلس الحكم وما بعده، وأظنني أدرك اضطرارهم في الحالين، فخيارهم الآخر: رفض التحالف والتعاون سيكلفهم المزيد من القتل والقمع والإقصاء، ولكن ثمة من يرد: حملة الأفكار النبيلة، عبر التاريخ قتلى ومقموعون ومقصون.. والثوري الحقيقي لا يساوم بشأن أفكاره وعليه التمسك بجمرته.اليوم، حيث تشنّ قوات الحكومة المسلّحة غارتها على مقرات الحزب الشيوعي لإخلائها، فوراً، لولا "شفقة" مام جلال لإمهال الشيوعيين أسبوعاً، فالعراق القديم يبدو سافراً تحت ثوب "العراق الجديد" المهلهل المنخوب برصاص الإرهاب وبقايا الصداميين والملطخ بأدران الفساد والمحاصصة والطائفية، وإذا كانت التهمة المعلنة أو المبطنة تتعلق بأصابع شيوعية وراء تظاهرات العراق فإنه لشرف نضالي كبير يضاف إلى سجل الشيوعيين الذي قدموا قوافل من الشهداء في زنازين النظم المستبدة، عبر تاريخ العراق الحديث، وفي ساحات المواجهة مع شرطة ومخبري وعملاء تلك الأنظمة.إن تظاهرات العراق هذه الأيام لهي، من جانب آخر، تعبير ديمقراطي شعبي ينبغي أن تحترمه وتسانده الحكومة، أي حكومة تحترم نفسها، لأنه يعزز دعاواها بالديمقراطية والحرية، إذا كانت تدعو إليهما، فعلاً وقولاً وحقاً، وكان الأولى بقوات قاسم عطا أن تداهم أماكن أخرى، عسكرية ومدنية، وعلى أعلى المستويات، تمتلئ بأزلام صدام حسين بدل أن تكافئهم، لينجحوا (بالزحف) من لوائح الاجتثاث إلى أعلى مراكز الدولة نواباً كباراً، في الحكومة، أو صغاراً في البرلمان.لم يعرف عن الحزب الشيوعي العراقي هذا النوع من الصلف السياسي والنفاق الآيديولوجي، ليؤيد العملية السياسية في العراق، وكان له نواب في البرلمان ووزراء في الحكومة، ويدفع بمتظاهرين ضدها في مدن العراق الكثيرة، ولو كان له مثل ذاك الصلف وهذا النفاق لما كان على الصورة التي هو عليها اليوم.إن حزباً حاكماً، اليوم، إذ يسترشد بالحسين وثورته على الظالمين والفاسدين لا يستقيم له هذا الإزدواج الصارخ المتجسد بمداهمة حزب عريق قدم خيرة مناضليه ومثقفيه وشبيبته من أجل الثورة على الظالمين والفاسدين، أم تراها السياسة ومفاسدها التي تحلّل الثورة وتحرّمها، في آن، حسب ترمومتر الكرسي واتجاه الريح؟هل كان صعباً على السيد نوري المالكي أن يتصل بقيادة الحزب الشيوعي العراقي الذي لا يبعد عن مقره سوى (عبرة شط) ليستفهم ويتأكد ويبحث في الأزمة، مهما كان حجمها، من دون الإغارة على أفقر مقر لأفقر حزب عراقي؟أتذكر أحد نواعي أمي على لسان زينب تخاطب بها زوجة أحد أمراء بني أمية في الشام بعد أسر العقيلة إثر واقعة كربلاء: "يا من على الكرسي كعدتي.... إحنه اهل الكراسي موش إنتِ".
العراق الجديد بهراوة العراق القديم.. مداهمة مقرات الشيوعي وصمة عار
نشر في: 7 مارس, 2011: 05:28 م