ياسين طه حافظنحن في العراق "طَبَختْنا" السياسة. وعرفنا من غير أن نفتحها، ما في أدراج الدولة والأحزاب وما وراء الواجهات. كما نعرف سبب هذه الدعوة وذلك التصريح تحذيراً أو تحريضاً، ولا يفوتنا ما في كلام النائب ولماذا رد عليه ذاك. في كل خطاب سياسي شعار مضمر و "مسألة" يشير إليها.
ما خلت فترة من تاريخ العراق السياسي الحديث من مؤسسات تعمل او منظمات. كما لم تخل من قمع ومن التفاف على شعارات... فحين نسمع من الدولة او من المؤسسات الساندة لها مفردات تتوسل بها لإيقاف التظاهرات او لتقليل حجمها، نفهم أنها لا تريد المساس بهيبة الدولة أو أنها تخشى مما قد "لا تُحمد عقباه". فتدين بعضاً من مضامين هذه التظاهرات سلفا وتفضل إرجاءها. مفردات الخطاب الرسمي معروفة ومعروفة لهجة الكلام، والبلاغة هنا لا تنفع في ستر المضمر. لكني أقول،إن مفردات لغة كهذه صارت فاقدة التأثير لأنها مفردات مستهلكة في العمل السياسي الحديث وهي لم تنفع "زين العابدين" ولا نفعت "مبارك" ولن تنفع القذافي وصالح.. ولا أي نظام تطغى عيوبه على حسناته..ثقافة سياسية جديدة تستوجب لغة سياسية جديدة وفهماً سياسياً جديداً معاصراً. وهذه الثقافة هي التي تمنح الخطاب السياسي قدرة إقناع وقدرة تشخيص وتمنحه احتراماً!فحين تتحدث الدولة عن فساد إداري وحين تُثار في مجلس النواب قضية اختفاء مبالغ وهرب آخرين بمبالغ، وحين يُسْتدعى وزير وتتهافت أجوبته..، يصبح الكلام بأن الدولة تدرس طلبات المتظاهرين في الفساد الإداري كلاماً لا يخلو من سذاجة في العمل السياسي و أنه يخلو من اللاجدية او هو لـ"تمشية الحال". وهذا مما سيزيد من الإدانة وما سيدعو لمزيد من الاحتجاج، وستكون إدانة أقوى واحتجاجاً أكبر حجماً و"نوعاً"! وزارة التجارة يُنحّى وزيرها (بوصفه المخطئ الوحيد بين الرهبان)، فالناس تشكو تباطؤ أو قلة المفردات التموينية. وفي عهد من جاء وراءه وكالةً اختفت بقية المواد التموينية! دعونا من الأسباب والأعذار، الناس لها النتائج!والناس يسكنون في مدن ويرون السوء والخداع والفساد. ويرون في العاصمة بغداد حيث رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ومجلس النواب، يرون كيف تم تبليط بعض الشوارع وكيف صارت بعد أشهر تراباً. ويرون صبغ الأرصفة التي زال صبغها والاسيجة التي تساقطت، ويرون فراغات "المرافق العامة" وأراضي الدولة والساحات كيف صارت عمارات بحجة مشتل أو بحجة مساطحة او بحجة حجة! وبتجاوزات "مدعومة" من هذا او ذاك. الصمت على أمور كهذه سيئ وعدم العلم بها أسوأ. الإعلان الرسمي يقول للمواطن الماء صالح للشرب "حسب نتائج المختبر" ويقفّ الشعَر من الملح فيه وكفّت الناس عن شربه.. وهذه الحملات لإزالة المسقفات من الارصفة تتحول الى حملات جباية من المحال، ويُتْركون بعد ذلك على حالهم لتعود حملات الجباية بعد شهرين او ثلاثة ... وحين يتسلم الناس مواد غذائية رديئة بدلاً من تلك التي استوردت، وعندما لا يتسلمون حصصهم ويرون البضاعة في السوق، تصبح الأعذار مضحكةً بل تثير السخط.. نعم ان حالات معدودة قد يحيلها الخيال الشعبي الى ظاهرة، ولكنها موجودة أصلاً وليست بلا أصل واقعي.. إن سوءاً شاخصاً أمام العيان، يُخفي منجزات حقيقة أُخرى لا يراها الناس .. أضف لذلك مؤسسات استحوذت على دوائر ومبانٍ واتخذت منها مقرات ودوائر بين بيوت الناس وسلبت راحتهم بحراساتها وسياراتها وموانعها وسوى هذا كثير.. عند هذا يصبح ما رفعه المتظاهرون في هذه الأمور معلوما منذ زمن من الدولة ونوابها ومدراء دوائرها وناسها العاديين. فما معنى نتسلم طلبات المحتجين لنعرف طلباتهم وما معنى سنطلع عليها وندرسها؟ أبداً، يا سادة، كل الطلبات معروفة ومعلنة منذ زمن وتتحدث عنها الصحف ويتحدث بها الناس وما رأت الجماهير إجراءات حاسمة ولا تمّت محاسبة السابقين او اللاحقين علناً وأمام الشعب. فأثار الناس ذلك وتحولت الى فعل شعبي ضخم قد يكون يوماً خطيراً..وحين تباع الدرجات الوظيفية في الوزارات والجامعات والدوائر التابعة لها وحتى في الدفاع والداخلية، آخر الحصون، ويتحدث الناس عن "ورق" يدفع، فما الجديد في ما قدمه المتظاهرون. لتقول الدولة: نتسلم طلبات المتظاهرين، لمعرفة ما يريدون، معرفة ما يريدون؟ اي سؤال هذا ؟ أقول، ناصحاً، ان لم يقصم ظهر الفساد وتعلن محاسبات ومحاكمات علنية امام الشعب للمفسدين والسراق وخونة الشعب والأمانة والعابثين بأمواله والمتسترين عليهم، ستظل لافتة الاحتجاج الكبرى معلنة في ساحة التحرير، وستظل جموع المتظاهرين تعاود الغضب والاحتجاج، نعم ستظل ان لم تكن الحلول جذرية والإجراءات حقيقية حاسمة، ولسنا بأية حال أقل حرصاً من غيرنا على الدولة وأمنها. ولسنا غافلين أيضاً عن المنجزات .. التظاهرات ستستمر لأن تحولاً عظيماً كسَّر حواجز الصمت في العالم الثالث، والشعوب تريد أن تنعم بثرواتها الوطنية!الدولة تعلم باحتياجات الناس. الدولة رأت المتظاهرين في الحسينية يرفعون اللافتات ويخوضون بالمياه الآسنة. مدينة بأكملها ليس فيها مستشفى عام، ينقلون مرضاهم الى مستشفى الشعب. الدولة لمسؤوليها أقارب وأصدقاء ويعرفون ما في
فـي الثقافة السياسية.. منطق السياسة العملي
نشر في: 7 مارس, 2011: 05:29 م