عالم آثار ألماني يكتشف دليل المدينة المفقودة في العراق القديم

عالم آثار ألماني يكتشف دليل المدينة المفقودة في العراق القديم

 ترجمة/ المدى

 لقد تم اصطحاب، فراهم، الذي يُعد من القلائل في العالم الذين يستطيعون قراءة نصوص مسمارية بشكل صحيح، الى مكان سرّي في المدينة وتم اعطاؤه مهلة يومين ونصف اليوم لدراسة نصوص هذه الألواح الطينية في مستودع، حيث تحفظ فيه هذه القطع بشكل مؤقت. كل لوح طيني كان بحدود حجم جهاز موبايل وجميعها كانت في حالة يرثى لها، حيث أجزاء واسعة من سطحها كانت مغطاة بطبقة من الملح.

وأشار البروفيسور الألماني، فراهم، بقوله "يبدو من المحتمل أن جميع هذه الألواح أتت من نفس الموقع الأثري الذي سقط فريسة عملية تدمير في فترة ما من الزمن، وإن الألواح قد سقطت على الأرض مع تعرض أحد جوانبها للماء في حين بقي الوجه الآخر سليماً ."
ومضى قائلاً " مهمتي تشبه حركة حزام النقل الدوّار، فأنا لدي فترة أربع دقائق فقط لفحص كل لوح طيني من الألواح التي يبلغ عددها 250 لوحاً من بين 450 قطعة تخللتها أختام أسطوانية، وقسم من الألواح أصعب بكثير من البقية في حل رموزها. وقد يكون هناك على سطح كل لوح طيني سرّ كبير قد لاتفشي به إذا قضيت الوقت معه ."
الألواح كانت ولم تزل برزمها الأصلية التي تم إرسالها للولايات المتحدة ووضعت اليد عليها من قبل سلطات الكمارك قبل أن تأخذ طريقها للجهة المقصودة بعد سرقتها من مواقع أثرية في العراق .
وقال البروفيسور "لقد ادعى المهربون الذين جلبوها، بأن الرزم تحوي قطع سيراميك قيمتها 300 دولار، الأمر الذي أثار شكوك مسؤولي الكمارك وقرروا بأن هناك أمراً ما مخفياً."
ويقول العالم الآثاري، فراهم، بأن أحد التحديات التي يواجهها في حل رموز هذه الألواح هو في نظام الكتابة المسمارية التي كتبت فيها، والتي تحوي اكثر من 900 رمز وإشارة، مشيراً الى أن المهمة معقدة جداً "حيث أن كل رمز حرفي من هذه الرموز المسمارية تحتمل عدة قراءات مختلفة، اعتماداً على النص والحقبة الزمنية التي كتب فيها اللوح الطيني ."
وتمكن العالم الآثاري الألماني من تأسيس حقائق جوهرية عن الألواح تتضمن مصداقيتها والمكان الأصلي الذي تعود له هذه الألواح، وهو جنوب العراق. ويقول، فراهم، إن الجزء الأعظم من الالواح "يعود تاريخها للعهد الملكي الثالث لمدينة أور (2100 الى 2000 قبل الميلاد) والعهود البابلية القديمة (2000 الى 1600 قبل الميلاد) وهي بالأساس تعتبر وثائق إدارية وقانونية، شبيهة بما نطلق عليه اليوم رسائل أي إيميل أو متلقيها. كنت أحاول جاهدًا تصنيف هذه الألواح وفقاً لتسلسلها الزمني ."
ويشير عالم الآثار الى أن من بين أهم مجاميع هذه الألواح هي مجموعة من تعويذات يعود تاريخها الى 2,500 عام قبل الميلاد، مؤكداً بقوله "إنها عبارة عن تعويذات تتضرع للآلهة آن وأنليل، والإله اينكي، تطلب منهم المدد المقدّس لإحياء مدينة. وتوجد قطع قليلة جداً من هذه الألواح. هناك بعض قوائم علامات مميّزة استخدمت في مدارس بابليّة وكذلك في رسائل خاصة واتصالات جرت في هذه الفترة . لوح من الألفية الأولى قبل الميلاد مكتوب بلغتين يثير الاهتمام أيضاً، إنه مكتوب بلغتين بابليّة وسومرية في لوح واحد ."
يوضح، فراهم، بأن كثيراً من ألواح العهد الملكي الثالث لمدينة أور يرجع أصلها لمدينة، أريساغريق، القديمة الواقعة عند أو على امتداد حوض نهر دجلة. وترجع عملية الكشف عن ألواح مدينة أريساغريق للعام 2003 عندما صودرت مجموعة كبيرة من ألواح طينية مسروقة يعود تاريخها للعهد الملكي الثالث لمدينة أور، وذلك من قبل سلطات حدود أردنية بعد فترة قصيرة من الغزو الأميركي للعراق .
ويمضي بقوله "مع بداية العام 2004 ظهرت ألواح طينية مماثلة معروضة للبيع عند موقع، اي باي eBay ، الالكتروني وأماكن أخرى. وقام علماء بجمع كل المعلومات المتوافرة عن الألواح وأكدوا في السنوات اللاحقة، بأن هناك كثيراً من الأشياء المشتركة بين هذه الألواح، ويبدو بأنها تعود أصلاً لمدينة سومرية تدعى أريساغريق، المعروفة من خلال وثائق عثر عليها في مواقع أخرى من حضارة بلاد وادي الرافدين. النصوص الجديدة من مدينة أريساغريق تسلّط بعض الضوء على طبيعة حياة المدينة المفقودة وتساعدنا في إدراك الحياة الاقتصادية لحضارة وادي الرافدين قبل 4 آلاف عام. ومن بين أكثر الألواح الطينية اثارة للاهتمام التي فحصتها هي عبارة عن وثيقة كبيرة تدوّن أرزاق الحاشية الملكية ولوح آخر يدوّن كمية الطعام المخصّص لكلاب البلاط الملكي ويبدو أنهم كانوا يحسنون إطعامها بشكل جيد . حتى النفقات الصغيرة يتم تدوينها مثل النفقات المصروفة للشراء قرب المياه ."عدّة ألواح أخرى كانت تعنى بإصدار تخصيصات رواتب منتسبي القصر مثل العاملات بالحياكة من النساء، في حين كانت ألواح أخرى تسجّل تخصيصات غذائية للمبعوثين الملكيين ومسؤولين آخرين مع اعطاء وصف لمهامهم مثل الكشف عن الأعمال الجارية لفتح قناة مائية أو تحسين الطرق السالكة للقصر الملكي، وهو مكان حيث يستريح فيه الناس بينما يقطعون طريق في سفرهم على امتداد طريق ملكي اثناء توجههم لمدينة أخرى .
ويقول العالم الآثاري، فراهم، إن هذه الألواح تسلّط ضوء على متشابهات متماثلة بين التي انتجتها الحضارات القديمة وحضارتنا الحالية، بضمنها أشياء مثل التخطيط الاقتصادي الحكومي وفرض الضرائب وتجارة المسافات الطويلة والائتمان، جميع هذه الأشياء مألوفة لنا في الوقت الحاضر ولكن جذورها تعود لحقب بعيدة، وإن حضارة بلاد وادي الرافدين أوّل من طبقها في العالم كنظام اقتصادي وإداري يحكم شؤون البلد ."
وأضاف بقوله "من المؤسف جداً، أن تحدث حالات سرقة وعبث بهذه الآثار، إنها تؤدي الى تدمير محتوياتها وفقدان كم هائل من المعلومات عن تلك الحقبة، ولكن عند الحصول على هذه الألواح وهي سليمة، بإمكاننا عمل أرشيف عن حقائق تاريخية لحضارة أمدها أكثر من 4 آلاف عام ."
 عن: موقع "ساينس بلوغ"

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top