تنسيقيّات البصرة تُعلًّق التظاهرات وتطالب بملاحقة مندسّين من  ولاية الجنوب

تنسيقيّات البصرة تُعلًّق التظاهرات وتطالب بملاحقة مندسّين من ولاية الجنوب

  مسؤولون: متسلِّلون وأسلحة من المناطق الغربيّة دخلت المحافظة مع شاحنات المساعدات

 بغداد/ وائل نعمة

البصرة في النهار ليست كما تبدو في الليل، ففي الصباح تجري عمليات تنظيف لآثار التظاهرات المسائية، فيما المحال التجارية تعاود فتح أبوابها وكأنّ شيئاً لم يحدث، لكن مع الظلام تبدأ عمليات التخريب والحرق.
عشيّة إعلان"الكتلة الأكبر"، قبل أسبوع تقريباً، كانت بوادر انحراف الاحتجاجات في المدينة الغنية بالنفط تظهر تدريجياً مع بدء عمليات حرق محدودة في مبنى المحافظة وردود فعل عنيفة من القوات الأمنية، وزاد الأمر سوءاً مع مقتل أحد المحتجّين برصاص قوات رسمية في مساء الجلسة الافتتاحية للبرلمان.

الآن وصل عدد القتلى في البصرة، بحسب مصادر أمنية وطبية، نحو 24 قتيلاً مدنياً وقرابة الـ1000 جريح، أكثر من نصفهم من المدنيين والآخرون من القوات الأمنية، منذ اندلاع التظاهرات في تموز الماضي.
وتسببت موجة التظاهرات الأكبر في البصرة والأطول (من حيث الزمن في الجنوب)، إلى حرق 17 مبنىً حكومياً وداراً تابعة لمسؤولين في المحافظة ومقرات لأحزاب، بعضها أُحرق مرتين وأخرى ثلاث مرات خلال الشهرين الماضيين.

إحراق القنصليّة
المنحى الجديد الذي دخلت فيه حركة الاحتجاجات، وأثارت شكوك المسؤولين في المحافظة وفصائل الحشد الشعبي، لم يكن إحراق مقرّاتهم التي هوجمت لأكثر من مرة، وإنما إحراق القنصلية الإيرانية في البصرة ورفع العلم العراقي فوقها.
ويقول محمد إسماعيل، وقد عرّف نفسه في تصريحات صحفية بأنه مدير العلاقات والإعلام في القنصلية في البصرة، إن البناية أحرقت بالكامل ولم تعترض الشرطة أو الجيش طريق الأشخاص الذين قاموا بذلك الفعل.
وبعد ساعات من إحراق القنصلية ليلة الجمعة على السبت، وسط أجواء احتفالية من بعض المحتجين، كما ظهرت في مقاطع فيديو بثت على مواقع أخبارية، أصدر رئيس حكومة تصريف الاعمال حيدر العبادي، أوامر بالتحقيق مع الجهات المسؤولة عن حماية البناية.
ويقول إسماعيل"لا نتّهم أي جهة في عملية الحرق، لكن ما حدث كان عملا همجيا وداعشيا، وقد احترقت ملفات مهمة تتعلق بجوانب التعاون بين إيران والعراق".

داعش الجنوب
يصرّ المسؤولون في البصرة على أن ما جرى في الليالي الاخيرة من الاحتجاجات كان بتدبير من"داعش"أو ممّن كان في منصات التظاهرات في الغربية قبل 5 سنوات. ويقول محمد أبو الهيل، النائب الجديد عن البصرة في تصريح لـ(المدى) أمس:"هناك معتقلون يتم التعتيم على هوياتهم، متورطون في عمليات التخريب التي جرت مؤخراً في البصرة، نعتقد أنهم جاءوا من المحافظات الغربية".
وتابع قائلا:"اكتشفنا أن بعض الشاحنات التي جلبت الماء من المحافظات الغربية الى البصرة تحت عنوان مساعدات كانت تضم أسلحة".
وعاد اسم"ولاية الجنوب"، وهو اسم تنظيم"داعش"في المحافظات الجنوبية، ليقفز الى واجهة الاحداث، وتظهر بعض الصفحات صوراً على حرق مقرات الحشد والقنصلية الإيرانية في البصرة تحت توقيع"الولاية".
و"ولاية الجنوب"هي مجموعة نائمة، بحسب التوصيف الأمني، اتهمت في بعض الأوقات بتفجيرات وقعت في الناصرية وكربلاء وبابل والبصرة، خاصة في مواسم الازمات السياسية، كتلك الحاصلة الآن في الصراع على تحديد الكتلة الاكبر.

ليس بعيداً عن السياسة
وركنت الأحداث في البصرة مساعي تشكيل الحكومة، ويقول أمين وهب وهو عضو مجلس محافظة البصرة في اتصال هاتفي مع (المدى) أمس إن"الدوافع السياسية والاجندات الداخلية والخارجية تلعب دوراً في ما يحدث بالمحافظة".
مساء أول من أمس اتهم ليث العذاري، عضو المكتب السياسي لعصائب أهل الحق، الولايات المتحدة بإحراق مكاتبهم في البصرة. وقال في لقاء متلفز رداً على تلك الحرائق:"سنحرق مشاريع أمريكا في العراق".
في المقابل خرج واثق البطاط، وكان يصف نفسه سابقاً بأنه أمين كتائب حزب الله في العراق، في فيديو نشر على مواقع أخبارية، يدعو الى"الجهاد"ضد الأحزاب في العراق من زاخو الى البصرة.
وقال البطاط الذي اعتقله المالكي مطلع 2014 ثم أفرج عنه لأسباب غير معروفة، في المقطع التسجيلي الأخير:"نحن في البصرة تخلصنا من الاحزاب بعد حرق مكاتبهم".
كما قال الأمين العام لـ"كتائب سيد الشهداء"أبو آلاء الولائي، وهي أحد فصائل الحشد الشعبي، أمس، إن تنظيم"داعش"هو من استهدف مكاتب الكتائب في البصرة، فيما توعد بشنّ"صولة ضد ولاية الجنوب قريباً".
وأحرقت في التظاهرات منذ تموز الماضي، مقرات حركة إرادة وعصائب أهل الحق وحركة النجباء وأنصار الله الأوفياء، كما أحرق المتظاهرون مقرات حزب الدعوة لمرتين وحزب الفضيلة والمجلس الأعلى ومكتب منظمة بدر، ومقر كتائب حزب الله ومقر سرايا الخرساني، إضافة إلى دار استراحة المحافظ، ونائب رئيس المجلس ومكتب النائب فالح الخزعلي ومنزل النائبة السابقة عواطف نعمة في البصرة.
كما أحرق المتظاهرون مبنى المحافظة 3 مرات خلال التظاهرات، ومديرية البلديات مرتين، ومباني تابعة لقناة العراقية مرتين ايضا، فيما تسربت أنباء عن سقوط 3 صواريخ في محيط مطار البصرة، وهو أمر نفته بعد ذلك القوات الأمنية.
ويقول أمين وهب:"من خربوا المناطق الغربية، جاءوا ليخربوا البصرة". ويتحدث المسؤولين هناك عن فيديو انتشر بشكل كبير في مواقع التواصل الاجتماعي، يتحدث فيه أحد المتظاهرين دون ان يظهر وجهه عن أنّ ما يجري في البصرة هدية لإحدى الشخصيات في الأنبار المعروفة بتأييد ساحات الاعتصامات في 2013.

ارتباك أمني
أداء قيادة عمليات البصرة خلال الأيام الاخيرة كان مرتبكا، حيث أعلنت فرض حظر التجوال يوم الخميس الماضي، على إثر تصاعد الاحتجاجات والاشتباكات بين عناصرها ومتظاهرين، ثم عادت لترفعه بعد ذلك. ويقول أبو الهيل، النائب الجديد عن تحالف الفتح في البصرة:"رفع الحظر لتبدأ عمليات الحرق، وكأنّ الامركان مقصودا".
وكان الجيش قد انسحب بعد اشتباكات مع المحتجين من منطقة كرمة علي، الاربعاء الماضي، وترك عجلاته العسكرية بدون سبب واضح، تحت حراسة متطوعين شباب، في سيناريو أرعب السكان وذكّرهم بليلة سقوط الفلوجة والموصل.
وعلى إثر هذا التخبط، قامت الحكومة في بغداد أمس، وفقاً لتصريحات اللجنة الامنية في البصرة، باستبعاد قائد العمليات جميل الشمري، واستبداله بـ"رشيد فليح"وهو القائد السابق لعمليات الأنبار وقت سقوط الفلوجة في 2014، وقائد الحشد الشعبي في الانبار بعد ذلك، وفي وقت لاحق نفيت هذه المعلومات. كما استبدل جاسم السعدي قائد الشرطة الذي عينه العبادي قبل 5 أشهر على الرغم من اعتراض المحافظ، بـ"جعفر البطاط"نائب قائد الشرطة الاتحادية.

تغيير مسار الاحتجاجات
وغيّرت أحداث الليالي الاخيرة في البصرة، مسار المطالبات في المحافظة التي كانت تشتكي قبل أيام من العطش وسوء الخدمات على مايبدو تصفية حسابات سياسية مع أطراف إقليمية. وقالت وزارة الصحة أمس، إن حصيلة احتجاجات يوم الجمعة، بلغت 7 قتلى، 4 منهم بطلق ناري في الرأس و50 جريحاً. وأكدت ان بين المصابين 26 بطلق ناري.
وقال شهود عيان في البصرة لـ(المدى) أمس، متحدثين عمّا جرى في ليلة الجمعة الاخيرة، إن سيارات تابعة لفصائل شيعية مسلحة في البصرة، أطلقت الرصاص على المحتجين، كما تم استهدافهم بواسطة قناصين ورمانات يدوية تابعة لتلك الفصائل. وأعلنت دائرة صحة البصرة، أمس، أن سيارة الإسعاف التي ضربت المتظاهرين غير تابعة لها.
بدوره قال سمير المالكي، أحد المنسقين لتظاهرات البصرة في اتصال مع (المدى) أمس إن التنسيقيات"علقت التظاهرات لعدة أيام لحين استتباب الوضع الامني". ورفعت القوات الامنية صباح أمس حظر التجوال الذي أعلن مساء الجمعة على أن يعود في المساء.
وقال المالكي الذي انسحب ورفاقه بعد بدء عمليات الحرق مساء الجمعة إن"المخربين جاءوا من خارج المحافظة، ونحن أبلغنا القوات الامنية بأننا لن نتظاهر لعدة أيام ومن يخرج فهو ليس متظاهرا وإنما مخرّب"، وتابع قائلا:"التظاهرات ستعود، لكنّ الامن له أولوية الآن على بقية المطالب في البصرة".

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top