أزمة المياه في العراق وطرق معالجتها 1 - 3

آراء وأفكار 2018/10/08 08:06:06 م

أزمة المياه في العراق وطرق معالجتها 1 - 3

د مهند محمد البياتي

أثارت تركيا لغطاً كبيراً في الإعلام والشارع العراقيين، عندما بدأت بملء سد اليسو المقام على نهر دجلة، ودق ناقوس الخطر حول المستقبل المائي لمنطقة وادي الرافدين، كما حصل لمنطقة في وادي النيل عندما بدأت أثيوبيا ببناء سد النهضة، متناسين إن الزيادة الكبيرة في تعداد سكان هذ المناطق، والحاجة الماسة لتوفير الغذاء لهم وكذلك لتوليد الطاقة الكهربائية، كلها عوامل شجعت تركيا وأثيوبيا على بناء هذه السدود، وتزامن الأمر مع الاستخدام الجائر للمياه في الزراعة إضافة الى التغيرات الكونية للمناخ والتي قللت الأمطار بشكل كبير وهي المورد الاساس لمياه الرافدين والنيل، وكلها عوامل تتطلب التخطيط والإدارة السليمة والجيدة للموارد المائية، وتزامن هذا مع المعاناة الكبيرة لأهالي الجنوب وخاصة أهالي البصرة بالحصول على مياه عذبة للاستخدام اليومي أو للزراعة، والإصابات المرضية لكثير من الأهالي مما سببت في إدخال الآلاف منهم الى المستشفيات بسبب رداءة المياه المجهزة لهم.
وكان الانسان سابقاً يخشى من غضب الطبيعة وفيضان الأنهر مما دفعه الى تخليد ذلك في ملحمة كلكامش، أول ملحمة كتبت في التاريخ، وأعيد ذكرها لاحقاً في قصة النبي نوح في التوراة وفي القرآن الكريم، وما يزال قسم كبيرمن أهالي بغداد يتذكرون فيضان دجلة عام 1954، وما تسبب في تهجير بعض أحياء بغداد والخسائر الفادحة التي تكبدتها العاصمة والمساعدات الدولية التي انهالت على العراق وقتها، مما أدى الى بناء اول سد على نهر دجلة في سامراء وافتتح عام 1957 لتلافي آثار الفيضانات اللاحقة ولتحويل قسم من مياه دجلة الى منخفض الثرثار، وتلاه بناء سدي دوكان ودربندخان على نهري الزاب الصغير وديالى والذي استكمل بناؤهما في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، لتوليد الكهرباء وخزن المياه للمواسم الشحيحة وكذلك لتقليل مخاطر الفيضانات القادمة، وكانت هذه أول سدود تبنى على نهر دجلة وروافدها في منطقة الشرق الأوسط.
اما عن نهر الفرات والذي ينبع من تركيا وتتقاسم موارده تركيا وسوريا والعراق، فلقد كانت هنالك محاولات عديدة لإيجاد أرضية مشتركة للتفاهم و الاتفاق بين هذه الدول الثلاث ومنذ عام 1920 لكن لم توقع أية اتفاقات شاملة لغاية الآن بين هذه الدول لتقاسم مياهه، ففي بداية الستينيات حاولت كل دولة منها التخطيط لوحدها لبناء سد على نهر الفرات، وقام العراق في عام 1962 بالتعاقد مع شركة سوفيتية لتقوم بدراسة مجرى نهر الفرات وتحديد المكان المناسب لانشاء سد عليه، ولم تقرر الحكومات العراقية المتعاقبة ولأسباب سياسية بالدرجة الاولى ولغاية بداية السبعينيات تحديد مكان السد والبدء بانشائه، في حين قررت الحكومتان التركية والسورية البدء بانشاء سد لكل واحدة منها على نهر الفرات، وبدأت تركيا بانشاء سد كيبان عام 1966 وافتتحتها عام 1974، في حين بدأت سوريا بانشاء سد طبقة عام 1968 وافتتحتها في تموز عام 1973، اما النظام العراقي فكان مشغولاً بتثبيت حكمه، مما سبب في حدوث شح كبير في واردات العراق المائية عام 1974 عندما بدأت تركيا وسوريا بملء سديهما، وتسبب ذلك بخراب الموسم الزراعي العراقي في تلك السنة والسنة اللاحقة، ولم تقرر الحكومة العراقية ولغاية منتصف السبعينيات مكان بناء السد على نهر الفرات، بل اكتفت بشق قناة من منخفض الثرثار الى نهر الفرات وبدأت العمل به منذ العام 1972 لتلافي النقصان الذي قد يحصل في نهر الفرات، وقد حلت هذه القناة بعض النقص في مياه الفرات ولكنها تسببت في ايصال ماء مالح من منخفض الثرثار الى نهر الفرات. وبعدها بنت الحكومة العراقية سد حديثة على نهر الفرات واعقبتها ببناء سد الموصل والذي لم يتم اختيار مكانه بالشكل الصحيح، مما تطلب القيام بأعمال صيانة مستمرة له، وقد لا تتوقف أعمال الصيانة هذه طوال عمر السد.
تعتمد كمية المياه المتدفقة في نهري دجلة والفرات على كمية الأمطار والثلوج الساقطة في تركيا وشمالي العراق وغربي ايران وشمالي سوريا وعلى التغيرات المناخية العالمية، وتسمى مواسم الأمطار الشديدة بالسنوات الرطبة وحدث ذلك في الأعوام 54 و65 و67 و68 و69 و88 و94 من القرن الماضي، وتم تسجيل أعلى وارد من مياه النهرين للعراق عام 1969 حيث كانت واردات دجلة بحدود 106 مليارات متر مكعب ، وواردات الفرات بحدود 63 مليار متر مكعب ، أما اقل وارد للنهرين فكان عام 1930 وهي سنة الجفاف الكبيرة، حيث كان وارد دجلة حوالي 19 مليار متر مكعب ووارد الفرات بحدود 11 مليار متر مكعب، ولو إنه تم تسجيل وارد منخفض جداً للفرات عام 1974 وهو بحدود 9 مليارات متر مكعب، ولم يكن هذا بسبب قلة الأمطار، ولكن بسبب قيام تركيا وسوريا بملء سديهما. ونلاحظ هنا الفرق بين وارد بحدود 30 مليار متر مكعب لعام 1930، ووارد بحدود 169 مليار متر مكعب عام 1969 أي أكثر من خمسة أضعاف، علماً أن الوارد المائي في عام 2016 كان بحدود 55 مليار متر مكعب. وقد لا يعرف الكثيرون إن المشاكل المائية بين العراق ودور الجوار تركيا وايران وسوريا ليست حديثة، حيث إن ايران قطعت عن مدينة مندلي مياه نهر كنكير منذ العام 1932، واعقبتها بقطع مياه نهر كنجان جم عن مدينة زرباطية ، وأخيراً تم قطع مياه نهر الكارون عن شط العرب والكرخة عن هور الحويزة، وهنالك أخبار عن قيام إيران ببناء سدود على نهري ديالى والزاب الأسفل، وسوف يؤدي ذلك الى تقليل واردات دجلة بمقدار كبير.
ومن المهم ملاحظة أن أزمة المياه في العراق لاتتعلق بكمية المياه الواردة للعراق فقط ولكن بنوعية هذه المياه، والمقصود هنا بكمية الاملاح والمواد العضوية والمعادن والمركبات المختلفة الذائبة في الماء إضافة للجراثيم و الفطريات المختلفة والتي تجعلها غير صالحة للاستخدام البشري وكذلك للزراعة، ويطلق عادة على المواد الذائبة هذه تسمية اجمالي المواد الصلبة الذائبة، وفي بعض الاحيان تتم تسميتها بالاملاح الذائبة، ولأخذ فكرة عن أهمية هذا الموضوع، فلقد وضعت منظمة الصحة العالمية مؤشراً لهذه الكمية، واعتبرت ان مقدار 300 الى 600 ملليغرام من هذه المواد الذائبة في اللتر الواحد من الماء يعتبر جيداً، أما مقدار 600 والى900 ملليغرام فيعتبر مقبولاً، والكمية من 900 والى 1200 فيعتبر سيئاً، وإذا زاد عن 1200 ملليغرام فيعتبر غير مقبول، أما في الزراعة فالكمية من 500 والى 2000 ملليغرام في اللتر الواحد فيعتبر مقبولاً في بعض الاحيان وخاصة للمحاصيل الزراعية والنباتات المقاومة للجفاف والملوحة، واذا زادت عن 2000 ملليغرام فيعتبر شديد الملوحة ولا يمكن استخدامه في الزراعة و يعتمد الأمر على نوعية المحصول الزراعي ونوع التربة، علماً أن ملوحة ماء البحر هي بحدود 35 ألف ملليغرام، أو 35 غرام باللتر الواحد، في حين أن متوسط الاملاح في مياه الانهار العذبة هي بحدود 110 ملليغرام في اللتر الواحد تقريباً. أما بالنسبة الى نهري دجلة والفرات فسنجد أن معدل كمية الاملاح المسجلة عام 2016 في نهر دجلة عند الحدود العراقية التركية في منطقة الخابور كانت بحدود 265 ملليغرام، وفي الموصل بحدود 300 ملليغرام وازدادت في بغداد الى حوالي 630 ملليغرام، ولكنها تزداد جنوباً بسبب مصب نهر ديالى ذو الملوحة العالية نوعما في نهر دجلة جنوب بغداد، اضافة لعوامل اخرى، وتصل الملوحة الى 720 ملليغرام في واسط، وتزداد الى 1420 في منطقة الكرمة قبل التقائها ببقايا نهر الفرات، أما بالنسبة لنهر الفرات فهي بحدود 600 ملليغرام عند نقطة دخولها للاراضي العراقية، وفي الحلة تزداد الى 720 ملليغرام وتزيد في الديوانية الى 1760 ملليغرام وتصبح في الناصرية بحدود 2350 ملليغرام، اما في البصرة فان الملوحة تتراوح ما بين 540 و 7700 ملليغرام وحسب المواسم وبمعدل عام بحدود 2200 ملليغرام، ومعظم هذه الارقام مأخوذ من الاحصاءات البيئية للعراق والصادرة عن وزارة التخطيط لعام 2016، ويمكن ملاحظة أن الزيادة في الأملاح تكون شديدة جنوب بغداد ومعظم المياه تكون غير صالحة للشرب ولكن بنسب متفاوتة، علما أن هنالك قراءتان لكمية الاملاح وبقية المواد الكيمياوية المتواجدة في المياه، تتولى إحداهما حاليا دائرة البيئة في وزارة الصحة وفي أماكن محددة على طول نهري دجلة والفرات ، والأخرى تقوم بها وزارة الإعمار والإسكان والبلديات وهي تقيس المواد الكيماوية والاملاح في الماء الخام الداخل لمحطات التصفية اضافة لقياسها للماء الخارج من محطات التصفية والتعقيم، ومن المفارقة إنه تم ذكر الملحوظة التالية والمأخوذة من الاحصاءات البيئية للعراق والصادرة عن وزارة التخطيط لعام 2016 صفحة 30 ( لم تصل نتائج الفحوصات الكيمياوية لمحطات الرصد الموجودة في محافظة ميسان طيلة أشهر سنة 2016، بسبب تعذر مديرية البيئة في وزارة الصحة من القيام بعملية سحب النماذج المائية لعدم توفر مخصصات الوقود) ونتساءل ما هي جدية دوائر الدولة في العراق بحل أزمة المياه وهي تتعاجز عن توفير الوقود اللازم لقراءة وتشغيل أجهزة القياس، ويجب الانتباه الى أن محطات تصفية المياه لا تستطيع تقليل المواد الذائبة في المياه، لكنها تتخلص من جميع المواد العالقة في الماء اضافة الى تعقيمها.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top