أزمة المياه في العراق وطرق معالجتها 2-3

آراء وأفكار 2018/10/09 06:47:12 م

أزمة المياه في العراق وطرق معالجتها 2-3

د مهند محمد البياتي

ويتبين أن المشكلة الرئيسة للمياه في الوقت الحاضر هي نوعية المياه أكثر من كميتها وخاصة جنوبي بغداد اذ لا تصلح المياه المتوفرة للشرب أو للزراعة، ومعظم مسبباتها هي من داخل العراق. وإذا علمنا بان متراً مكعباً واحداً من الماء في السنة يكفي لمتطلبات الشرب فقط للشخص الواحد، أي أن الإنسان بحاجة كمعدل عام الى 3 ألتار من الماء للشرب في اليوم الواحد، في حين أن هذا المتر المكعب من الماء هو مايستهلكه المزارع لانتاج نصف كيلوغرام فقط من الحنطة في البلدان غير المتطورة زراعياً، في حين أن المزارع في الدول المتقدمة زراعياً يمكنه من انتاج كيلوغرامين من الحنطة باستخدام متر مكعب واحد من المياه، وهذا يوضح الكمية الكبيرة اللازمة للمياه في الانتاج الزراعي، فعالمياً يتم استهلاك ما معدله 10 بالمائة من المياه للاستهلاك المنزلي، و 20 بالمائة في الصناعة و70 بالمائة للزراعة تقريباً، أما في العراق حالياً فإن 86 بالمائة من المياه تستهلك للزراعة، و 6 بالمائة للبيئة أي لإدامة الأهوار، و 5 بالمائة للصناعة و 3 بالمائة للاستهلاك المنزلي فقط، ويمكن أن تتغير هذه الارقام عند ازدياد المنشآت الصناعية. ونلاحظ هنا أن استهلاك المياه للزراعة في العراق هو أعلى من المعدل العالمي، علما أن غلة الانتاج الزراعي في العراق للدونم الواحد من الحنطة مثلاً هو أدنى من مثيلتها في الدول المجاورة كتركيا وإيران وسوريا، ونحتاج لكمية أكبر من المياه لانتاج كيلوغرام من الحنطة، وسبب ذلك بالدرجة الأولى هو نوعية المياه المستخدمة في الزراعة وطريقة الري والزراعة، إضافة لملوحة التربة في جنوبي ووسط العراق. ويتبين من الأرقام اعلاه إمكانية معالجة المياه المستخدمة للاستهلاك المنزلي بتخليصه من الأملاح الزائدة، عن طريق معالجة المياه الخارجة من محطات التصفية القائمة حالياً للتخلص من هذه الاملاح الذائبة، وتعتبر طريقة التناضح العكسي أو RO هي الطريقة الأمثل والأرخص حالياً وتستخدم لتحلية أكثر من 60 بالمائة من المياه العذبة المنتجة عالمياً، وتتناسب كلفة انتاج الماء العذب مع كمية الاملاح المذابة في الماء، وكلما قلت الملوحة في الماء المراد تحليته نحتاج لضغط أقل لاجبار الماء على النفوذ من خلال الأغشية الخاصة والمستخدمة لتحلية المياه، أي نحتاج الى طاقة كهربائية أقل لتحلية نفس الكمية من الماء، ويكون العمر التشغيلي للأغشية المستخدمة أطول أي لا يتم استبدال الأغشية بنفس السرعة، أي أن كلفة استبدال الاغشية ستكون أقل، لذلك فالكلفة التشغيلية لتحلية المياه في محافظات الوسط مثل بابل والديوانية وكربلاء وواسط تكون أقل من كلفتها في ذي قار أو المثنى أوالبصرة، ولكن تبقى الكلفة الأولية لإنشاء محطة التحلية نفسها تقريباً، وتتراوح كلفة انتاج المتر المكعب من الماء العذب في محطات التحلية للمياه شبه المالحة ما بين ربع دولار الى نصف دولار أميركي، حسب حجم المحطة ودرجة ملوحة الماء الداخل للمحطة ومقدار ملوحة الماء المنتج، أما كلفة التحلية لانتاج متر مكعب من الماء العذب باستخدام ماء البحر فهو بحدود دولار واحد تقريباً، و يمكن للاسعار هذه أن تنخفض مع تطور تقنيات صناعة الانسجة المستخدمة في التحلية وانخفاض أسعارها، لذلك فمحاولات تقليل ملوحة مياه دجلة والفرات سيقلل من كلفة تحلية المياه للاستخدامات المنزلية وسيحسن ويزيد من انتاج المحاصيل الزراعية، وهنالك فعلياً في العراق محطات تحلية حكومية عديدة تستخدم طريقة التناضح العكسي ويصل عددها الى 449 محطة في جميع محافظات العراق عدا كردستان ونينوى والأنبار، وطاقتها التصميمية بحدود 94 ألف متر مكعب في اليوم، ولكنها لا تنتج سوى 20 ألف متر مكعب في اليوم من الماء العذب، والغريب في الأمر أن محافظة البصرة لديها 43 محطة تحلية طاقتها التصميمة بحدود 51 ألف متر مكعب في اليوم ولكنها لا تنتج سوى 2104 أمتار مكعبة من الماء العذب في اليوم أي تعمل بكفاءة 4 بالمائة فقط، ولو كانت هذه المحطات تعمل بكامل طاقتها التصميمة في البصرة، وتم توزيع مياهها مباشرة على مواطني البصرة والبالغ عددهم بحدود 3 ملايين شخص، لكانت حصة الفرد الواحد 17 لتراً من الماء العذب يومياً، وهي أضعاف ما يحتاجه الفرد من المياه لاغراض الشرب والطبخ اليومي فقط، إضافة لذلك فان هنالك 25 محطة صغيرة منصوبة في البصرة وتعمل بالطاقة الشمسية، طاقتها التصميمية هي بحدود 1608 أمتار مكعبة في اليوم ولكنها انتاجها من المياه هو صفر، علما أن باقي المحافظات في العراق لديها محطات تحلية طاقتها التصميمة 43 ألف متر مكعب في اليوم وتنتج بحدود 18 ألف متر مكعب من الماء العذب يومياً اي أن كفاءتها التشغيلية هي 42 بالمائة، أي عشرة أضعاف كفاءة محطات البصرة.
ويعتبر الاستخدام الجائر للمياه في الزراعة المسبب الرئيس لملوحة المياه، فبسبب طريقة الري المستخدمة بالزراعة في العراق والذي تعوّد عليها المزارع العراقي منذ آلاف السنين عن طريق غمر التربة بالمياه لري البساتين او الحقول، ولكون معظم التربة في وسط وجنوب العراق هي طينية رسوبية والتي لاتسمح بنفاذية الماء وبسرعة الى الأعماق، ولأن الجو جاف وحار في معظم أشهر السنة، يتم تبخر كميات كبيرة من هذه المياه تاركة خلفها الاملاح المذابة فيها على سطح التربة، ومع مرور الوقت تزداد هذه الاملاح وقد تتحول الأراضي إذا لم تعالج الى أراضي صبخة أي مالحة ولا يمكن الزراعة فيها، لذلك بدأت ومنذ خمسينيات القرن الماضي في العراق حملات كبيرة لاستصلاح الاراضي وعمل مبازل حقلية كثيرة لغسل التربة للتخلص من أملاحها وكذلك لتسريب المياه الزائدة من التربة، وهنالك الآن أكثر من 127 ألف كيلومتر من القنوات و المبازل الرئيسة والثانوية والمجمعة والحقلية والتي تصب في النهاية في قناة المصب العام والمرتبط بشط البصرة والواصل لخور عبد الله في الخليج العربي، وهذه القنوات تحتاج الى صيانة مستمرة وحتى الى توسيعها لتشمل أراضي اضافية، لأن المبازل تغطي حالياً فقط الاراضي الممتدة ما بين غرب نهر دجلة وشرق نهر الفرات وتبدأ من مشروع الاسحاقي شمال بغداد. ومن الضروري جداً منع رجوع مياه البزل المالحة الى الاراضي الزراعية، ولكن يحصل أحياناً التجاوز على مياه البزل من قبل المزارعين لاستخدام هذه المياه المالحة لزراعة بعض المحاصيل أو عمل أحواض غير نظامية لتربية الأسماك، وهذه تعيد للتربة الأملاح التي سبق أن تم التخلص منها، إضافة الى التأكد من أن البطانة الكونكريتية لقنوات البزل لا تزال صالحة وعدم حدوث كسور فيها والتي ستعيد مياه البزل المالحة للتربة من جديد. إن تغيير أساليب الري من طريقة الغمر والمستخدمة منذ زمن السومريين ولحد الآن، واستخدام التنقيط بدلاً من ذلك سيوفر حوالي 55 بالمائة من المياه اللازمة للزراعة مقارنة بالسقي السطحي، أو طريقة الرش والتي تخفض كمية مياه الري 25 بالمائة، علماً بأن المياه الزائدة عن حاجة المحاصيل والتي لا تسحبها المبازل، ستعود لقنوات الري وللانهر حاملة معها أملاح التربة وكذلك الأسمدة الكيمياوية والعضوية والمذابة في هذه المياه، وهي من أحد الأسباب الرئيسة لازدياد ملوحة نهري دجلة والفرات وقنواتها العديدة.
ومن المهم ملاحظة أهمية استخدام بعض الطرق الحديثة للزراعة والتي لم يتعود عليها مزارعونا مثل الزراعة من دون حرث، وهي تبدو غريبة جداً وخاصة لمن تعود أن تكون أول خطوات الموسم الزراعي هي الحرث، وتعتمد هذه الطريقة على إبقاء سطح التربة من دون قلبها وبذلك تحافظ التربة على رطوبتها وتقلل كمية المياه المطلوبة للزراعة، والى منع ترسب الاملاح بسبب تبخر المياه من سطح التربة المقلوبة والاستفادة من بقايا النباتات المزروعة سابقاً، وهذا الطريقة من الزراعة انتشرت بكثرة في العالم، وجرى تطبيقها في سوريا وايران وتركيا وكذلك في العراق ولكن على نطاق ضيق، وانتجت زيادة في الغلة أو الحاصل وصل الى 25 بالمائة، إضافة الى تقليل كمية المياه اللازمة للزراعة.

ولمياه الخليج العربي المالحة دور آخر وكبير في تلوث مياه شط العرب وهو مستمر ولأكثر من أربعين عاماً، فلقد كانت الاطلاقات المائية العذبة من نهر الكارون في جنوب شط العرب إضافة الى اطلاقات مياه شط العرب الكبيرة سابقاً تعمل على منع مياه الخليج المالحة من الصعود شمالاً في شط العرب أثناء المد البحري والذي يحصل مرتين في اليوم الواحد، بل تسمح بارجاع المياه العذبة الى الأنهر والقنوات المتفرعة من شط العرب لتعمل على ري الاراضي والبساتين المحيطة بشط العرب مرتين كل يوم، ولكن اختلف الأمر ومنذ فترة طويلة، فمع توقف نهر الكارون باطلاق المياه العذبة بسبب تغيير مساره الى داخل الاراضي الايرانية، واطلاق مياه البزل المالحة بدلاً عنه، وقلة وضعف الاطلاقات المائية من نهري دجلة والفرات الى شط العرب أدى الى صعود مياه الخليج المالحة شمالاً باتجاه البصرة وتكوينها وبمرور الزمن بتشكيل ما يسمى باللسان الملحي والذي يصعد مع كل موجة مد بحري، ولا يمكن ايقاف صعوده إلا بزيادة الاطلاقات المائية وباستمرارالى شط العرب، وعندما تقل هذه الاطلاقات سيقوم اللسان اللحي بالتمدد شمالاً ومن جديد، ولا يمكن الآن توفير هذه الكمية من المياه لاطلاقها باستمرار في شط العرب مع شح المياه واستمرارها بالتناقص، ويكمن الحل الوحيد والمتاح حالياً هو ببناء سد مانع جنوب البصرة لمنع تمدد اللسان البحري المالح شمال شط العرب مع تقليل هدر مياه شط العرب والاستفادة منه لري الأراضي على جانبي شط العرب وحتى إمكانية مده الى منطقة الفاو.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top