نافذة من موسكو..مواصفات التجربة الديمقراطية العراقية

آراء وأفكار 2018/10/14 06:52:23 م

نافذة من موسكو..مواصفات التجربة الديمقراطية العراقية

د. فالح الحمـراني     

رسمت دراسة بالروسية مواصفات الديمقراطية في العراق، واعتبرتها نموذجاً فاعلاً وحالة متقدمة في الشرق الأوسط مقارنة مع الأنظمة الأخرى، ودللت على ذلك بمضي العراق منذ 2003 بتداول السلطة السلمي وتغيير وجوه الرؤساء والحكومات واعتماد الأطراف السياسية النافذة مبدأ التوافق وأخذ مصالح بعضها البعض الآخر، والحضور السياسي لكافة مكونات المجتمع، فضلاً عن وجود فسحة واسعة لحرية الرأي والعقيدة والكلمة.
اللافت أن القراءة تجاهلت مدى انعكاس الممارسة الديمقراطية على الوضع العام بالبلد والتصدي للظواهر الخطيرة في كالفساد وسوء الإدارة وانتشار المحسوبية والمنسوبية في أروقة السلطة، واستغلال بعض الأطراف الممارسة الديمقراطية للحصول على مكاسب حزبية وعائلية وحزبية، فضلاً عن تدهور الخدمات الأساسية، وكارثة انقطاعات التيار الكهربائي وشح المياه النقية في أرض الرافدين والأهوار الواسعة...الخ.
وربطت قراءة الأحداث التي شهدها الشرق الأوسط بالتغيرات الجذرية التي مر بها العراق منذ 2003. وأكدت إن النظام الديكتاتوري من دون شك كان نظاماً استبدادياً راهن على العنف بصورته الوحشية غير المبررة، وخاصة حيال بعض مكونات الشعب العراقي دون الأخرى. وأضافت إن هذا النمط من الحكم كان لحد ما بداية نهاية هيمنة الأنظمة المستبدة التي تشكلت بعد الاستعمار واحتضارها. ولذا فان العراق كان مثالاً نموذجياً للبناء المعماري الذي شيده " مهندسو ومدراء الاستعمار البريطاني الماهرون".
وأضافت إن بريطانيا دائماً تختار الأقلية وتمنحها الصلاحيات في إطار مبدأ "فرق تسد" الشهير، وعلى هذه الأقلية قمع الأغلبية السكانية وغيرها من الأقليات. لذلك يكون من السهل التحكم وإدارة مثل هذا النظام من الخارج، على الرغم من انه يصدر أحيانا بيانات صاخبة ومتشددة.
ولفتت القراءة إلى العراق ومنذ استيلاء الدكتاتور صدام على السلطة دخل في مرحلة الحرب. معيدة الأذهان إلى أن الحرب مع إيران من 1980 إلى 1988 ومغامرة غزو الكويت في 1999. ومن ثم عملية تفكيك العراق التي بدأت مع الاحتلال الأميركي. وعلى وفق تقدير القراءة فان الولايات المتحدة حينما اجتاحت العراق في 2003 لم تضع في حساباتها على أنها ستفتح " صندوق باندورا" التي تقول الأسطورة اليونانية إنه حمل كل أشرار البشرية من جشع وغرور وافتراء وكذب وحسد ووهن ووقاحة وعنف، وان الجانب الأميركي كان يروم تكرار تجربة ألمانيا واليابان بإشاعة وتطوير الديمقراطية التي يمكن أدارها وفق للرؤية الأميركية والتي كانت واشنطن بأمس الحاجة لها في اطار سياستها في الشرق الأوسط. وكانت الولايات المتحدة تراهن لتحقيق هذا الغرض على البقاء في العراق عشرات السنوات بيد أنها لم تحصل على التفويض من حلفائها " الأشقاء الصغار".
ومضت بالقول إن بريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها لم تمنح الولايات المتحدة مثل تلك الصلاحيات. بالرغم من أنها تواجدت في العراق من أجل المراقبة وإشراف، وليس المشاركة في الخطط الأميركية.
وأضافت إن الأمر الرئيس هو أن الولايات المتحدة لم تأخذ بعين الاعتبار إن الاجتياح يدمر البناء المعماري الرصين للشرق الأوسط باسره. موضحة إنها قامت بتقويض أحد الأعمدة المركزية للشرق الأوسط. وبالنتيجة إن انهيار العراق اطلق مسلسل الدمار في الشرق الأوسط. وغاب عن واشنطن إنه كانت هناك طرائق للإطاحة بالنظام الديكتاتوري الغاشم الذي كان القضاء عليه قضية موضوعية تماماً، ولكن من دون المس بأركان الدولة.
وعن التطورات الأخيرة في البلاد، ولاسيما عن عادل عبد المهدي الذي تمّ تكليفه بتشكيل الوزارة الجديدة، قالت القراءة إنه شخصية مستقلة وعما هو قادر على القيام به، أشارت إلى أنه لا يمكن أن تكون في العراق شخصية مستقلة تماماً. فانه ( عادل عبد المهدي) بهذا الشكل و ذاك يمثل تكتل الأحزاب الشيعية، بالرغم من أنها أحزاب مختلفة. وأعربت القراءة عن " الدهشة من أن العراق شهد منذ 2003 ثلاثة انتخابات رئاسية وظهر ثالث رئيس وزراء، لاسيما وانه شخصية جديدة. بمعنى إننا نرى تداولاً دورياً للسلطة".
وأضافت إن المالكي كان يروم البقاء في السلطة والعبادي أيضاً... "وحتى من المستغرب إنهما لم يتمكنا من تمديد صلاحياتهما لفترات جديدة ـ والحصول مرة أخرى على منصب رئيس الوزراء". موضحة "إن العملية السياسية في العراق، ومع كل النواقص التي تحف بها تتطور". وحسب تقدير الدراسة " إن الولايات المتحدة أرادات أن تجعل العراق واجهة للديمقراطية في الشرق الأوسط. وأصبح هذا واقعاً...". وأضافت " لكن المفارقة تكمن في أن العراق يشهد ميلاد الديمقراطية، وإنها تبرز كديمقراطية محكوم عليها بالظهور" موضحة "إنها ديمقراطية الأطراف التي تواجه بعضها البعض الآخر، وهي مسلحة لحد كاف بالمعنى المباشر والمجازي للكلمة". إنها (الأطراف) قادرة على حماية مصالحها بقسوة، بيد أنها مضطرة أيضا للاتفاق، وأحياناً يقوم العامل الخارجي على التهدئة بينها. مشيرة إلى أن التطورات تقضي أحياناً بدعم إيران هذا الطرف أو ذاك، وفي أحيان أخرى تقوم الولايات المتحدة بذلك، وفي ثالثة البلدان العربية. وأضافت " بمعنى إننا نواجه وضعاً جديداً" موضحة " إننا نتصورها ديمقراطية بشكلها الصافي تعتمد على التوافق الذي يأخذ بنظر الاعتبار مصالح الجميع". أن الديمقراطية هنا هي ديمقراطية التوافق، لأن الأطراف المعنية مضطرة للتوافق، نظراً لأن أي طرف لا يتمتع بالقوة التي تساعده على فرض هيمنته على الآخرين. وينبغي النظر إلى العراق من هذه الزاوية.
وأضافت" إن الديمقراطية هنا ليست بالشكل الذي أرادت الولايات المتحدة إقامته، أنها ليست الديمقراطية المستقطرة والناقصة على سبيل المثال الديمقراطية في دول البلطيق، حيث جرى التضييق على الأقليات الروسية وانتهاك حقوقها وإبعادها ممثليها عن المجال السياسي. بينما في العراق تتمتع كل مكونات المجتمع بالحضور السياسي اللائق بها. ولهذا فإنها " قد تكون قاسية ولكنها ديمقراطية حقيقية، على الأقل، إنها فعلية أكثر، مما عليه في البلدان الأخرى، التي تختال بديمقراطيتها"

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top