التطرّف في الدين يغتال التطرّف في الجمال

آراء وأفكار 2018/10/14 06:53:22 م

التطرّف في الدين يغتال التطرّف في الجمال

تحليل سيكولوجي

د. قاسم حسين صالح

الواقعة
لقيت أربع نساء عراقيات شهيرات في آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر 2018 حتفهن، اثنتان منهن اغتيلتا برصاص مسلحين هما رفيف الياسري الملقبة بـ"باربي" نسبة إلى اسم مركزها التجميلي،والثانية هي رشا الحسن صاحبة مركز «فيولا» التجميلي،وآخرهن مقتل وصيفة ملكة جمال العراق وعارضة الأزياء تارة فارس(22سنة).
وتلقت عارضة الأزياء والأعلامية شيماء القاسم تهديدا بالقتل اضطرها الى مغادرة العراق لتصرّح بأن اللواتي اصبحن مشهورات في السوشيال ميديا سيكون مصيرهن القتل،لأننا أصبحنا في نظرهم (عاهرات)..يحق لهم أن (نذبح مثل الدجاج).
وقد أثار اغتيال تارة فارس جدلاً فاق القدح والمدح الذي كانت تثيره صورها الجريئة،وتوزع الناس بين من أدان قتلهن وبين من قال عنهن انهن (قاذورات) على حد وصف نائب في البرلمان العراقي.

تحليل سيكولوجي
تنسب تهمة قتل مشاهير الفتيات في وسائل التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا) إلى جهات دينية متطرّفة،ولا يعنينا هنا ما إذا كانت وراءه دوافع سياسية ،بل تفكيك الدوافع في قراءة سيكولوجية للحدث.كانت الدراسات قد توصلت الى أن فكر (التطرّف) يتغذى على معتقدات مفبركة وأحداث تاريخية مزورة،تشيع بين جمهور محدود الوعي يسهل توجيهه واقتياده حتى إلى الهلاك،فيما توصل السيكولوجيون المعاصرون الى أن التعصب يعدّ هوساً مرضياً بالهوية،سببه إن المتعصب لهويته يعتقد ،أو جعلوه يعتقد،بوجود تهديد يستهدف القضاء على هويته وشحنه نفسيا بآلية التخويف من الآخر وتصويره مصدراً لتهديد دائم يستهدف إنهاءه الذي قد يكون التهديد حقيقياً، أو مبالغاً به، أو مفتعلاً،أو وهماً من نوع البرانويا..أو هوساً دينياً.
والعلّة الفكرية في المتطرّف (المتعصب) أن عقله مصاب بالدوغماتية التي تعني الجمود العقائدي،أخفها التمسك بأقوال مطلقة من غير دليل، صعوداً الى مقاومة الأفكار الجديدة ،وصولاً الى الاعتقاد الجازم اليقيني المطلق بأن الآخر باطل دون نقاش..وانتهاءً بفرض السلطة على الآخر..وإفنائه إنْ عارض أو تحدى..فيما التطرّف في الدين يزيد عليها بأن يزّين لصاحبه الزعم إنه وحده على حق، وينعت من يخالفه الرأي : بالكفر ، والمروق ، والزندقة ، والفسوق.
ومن متابعتنا لما جرى في العراق وجدنا إن الجهة الراعية للتعصّب(للتطرّف) تضفي على نفسها هالة القداسة إن كانت دينية،والقوة والرهبة والبطش إن كانت دنيوية. وفي كلتا الحالتين تكون المؤسسة في حالة حرب لا نهاية لها، أو إنذار بحرب وشيكة الوقوع مع آخر. وكان الباحث في علم الاجتماع السياسي (جيرارد) توصل الى أن التعصّب (التطرّف) يكون معدياً في المجتمعات المحبَطة، وأن الفرد الذي يفتقد الفرصة الإيجابية قد يجد في الجماعات المتعصِّبة بديلاً من الممكن أن توفر له وظيفةُ ما، ومكانةً ما، ودوراً ما.وهذا ما حصل في العراق.
وسواء كانت الجهات التي قتلت شهيرات السوشيال ميديا الأربعة مرتبطة أو مدفوعة أو مدعومة من أحزاب أو كتل إسلامية ،أو لا علاقة لها بها فان السبب السيكولوجي الرئيس هو أن سلطة الإسلام السياسي تريد أن تكون هي مركز الشهرة والاستقطاب الجماهيري:في الجامع، المدرسة، الشارع، الإعلام وفي..الفيسبوك وتويتر والانستغرام.
والسبب الرئيس الثاني،إن هذه الجماعات ومن يؤيدها بالسر أوالعلن،لا تتحمل المنافسة، ولأنها وجدت أن لهذه (القاذورات..الفاسقات) رصيداً كبيراً من المتابعين في السوشيال ميديا(تارة فارس لوحدها زاد عدد متابعيها على المليونيين في الانستغرام)،فإنهم خشوا أن يسحبن منهم أوسع وأهم شريحة في المجتمع..الشباب لا حرصاً على أخلاق الشباب بل خوف سيكولوجي من إثارة استياء أهم وأخطر وأكبر قوة في المجتمع..حاضراً ومستقبلاً.
والسبب السيكولوجي الثالث انهم يعدّون هذه الشهرة نوعاً من التحدي الذي يهدد قيمهم ودعوتهم الى قيام مجتمع تكون فيه المرأة محتشمة بالمعنى الذي يفهمونه عن الحشمة،والذي يعني عندهم إخفاء كل معالم الجمال في المرأة،ولأنهم يضعون المرأة في مكانة أدنى من الرجل، فأنهم يرون إنه من العار عليهم أن تحصل فتاة بعمر العشرين (مره!) على أكثر من مليوني متابع في السوشيال ميديا وهم في صحفحاتهم لا يحصلون على مئات.
من جانب آخر..إن إظهار جمال المرأة بشكل متطرّف في مجتمع محافظ ،تحكمه نفس سيكولوجيا التطرّف الديني..بمعنى إن التطرّف في الجمال يرى في من يلتزم بالدين بأنه رجعي ومتخلف..يعيش خارج عصره،وإنه يحصر وظيفة المرأة في الانجاب وإمتاع الزوج جنسياً،ولها أن تتبرج وتتوشم وتظهر مفاتن جسمها لزوجها فقط.والذي حصل أن تارة فارس ورفيقاتها دفعتهن سيكولوجيا التحدي الى التطرّف في إظهار الجمال بتتفنن في رسم وشوم وصور باغراءات جنسية مبتذلة.
ويحتضن كل هذه الأسباب سبب سيكولوجي عام هو أن السلطة اذا تضاءلت هيبتها وكانت ضعيفة في تطبيق القانون وفرض النظام،فإنه يجري التعبير عن الكراهية بين الجماعات بأساليب العنف والعدوان يكون ابشعها لدى المتطرفين دينيا الذين خبروا العنف خمسة عشر عاماً تراجعت فيه قيمة الحياة وصار قتل الإنسان عندهم أسهل من شربة ماء،فيما المولع بالجمال لا يستطيع رؤية ذبح دجاجة..ما يعني إن التطرّف في الدين والتطرّف في الجمال ضدان لا يلتقيان..وإن الغلبة فيه تكون لمن خبر العنف وامتلك القوة والقدرة على إفناء الآخر.
وتبقى ثمة مفارقة.
صار يوم الخميس مرعباً لعارضات الأزياء وخبيرات التجميل،لأن كل الاغتيالات التي استهدفت نساء عراقيات شهيرات حدثت يوم الخميس!..ولحضراتكم نترك التفسير..والتفليس!

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top